يحب الخروج من بيته دون أن يحدد إلي أين يذهب. أي منا قد يفعل هذا أحيانا ، لكن بالنسبة له صارت عادة. ويحدثك عن هذا الخروج كما لو يتحدث عن شيء لا ينتبه الناس الي أهميته. رغم أنه في متناول أيديهم. ولا يكلفهم شيئا سوي أن يتخلوا عن أن كل فعل له سبب ضروري أو حتمي. وكلما تشككت في أهمية ما يفعله تجده يضرب لك أمثلة منتشرة في حياة الناس وليست لها أسباب واضحة ، فيشبهه بحب الإنسان أن يسرح فجأة في شيء أمامه، ويستمتع بهذا السرحان ولا يفكر في الوقت ولا فيما يجب أن يفعله ويتضايق حينما يقاطعه أحد. لذلك لا يحب أن يوقفه أحد من الجيران ويدردش معه وهو مازال في بداية خروجه. يريد الخروج خاليا من أية مقاطعات تشغل باله بأشياء معتادة أو متوقعة. وإذا كان لابد من حوار فالأحسن أن يكون مع شخص لا يعرفه دون أن يستهدف هو هذا. مثل أن يسأله أحد عن عنوان ويسترسلان في الكلام بشكل تلقائي وسلس. ولا تحدث مثل هذه الحوارات كثيرا ولا تضايقه قلتها بل يراها توافق طبيعة خروجه التي لا تقصد أي شيء ولا تنتظر أي شيء. طبعا تظن أنه بعد عودته من عمله لن يفكر في خروجه الشهير، لكن يرد عليك مباشرة " علي العكس " يقولها كأنه ينتظر سؤالك ويريد القضاء عليه في مهده. إصراره علي الخروج دون سبب أو هدف حتي وهو مرهق يضيع الروتين اليومي، ويجعله ينتقل إلي حالة التصرف دون ضغوط، إلي حالة فعل شيء بكامل حريته وقواه العقلية. ويشبه الروتين اليومي بأنه سم بطيء يجعلك تشعر أن كل شيء علي ما يرام وفجأة يفتك بك. صحيح لا يفعل هذا كل يوم حتي لا يصير الخروج واجبا يوميا لكن المبدأ قائم: أن ينطلق حتي وهو تعبان. وهو لا يشكو من ازدحام الشارع والضوضاء وإشارات المرور التي لا تنتهي؟. تكون إجابته أنه من السهل العثور علي ألف سبب حتي لا نخرج براحتنا ولا نبتعد عن عاداتنا التي رسخت وتحجرت داخلنا. في حين أن الأصعب فعل ما نريد رغم كل المعوقات. في الحقيقة هو لا يردد مقولاته هذه طول الوقت ويدعو إليها عمال علي بطال. بل يختار الوقت المناسب ليتكلم عنها، وغالبا ما يكون هذا الوقت مرتبطا برغبة من يحدثه في فعل شيء جديد أو بزهقه من فعل نفس الأشياء كل يوم. طريقته في شرح خروجه ومزاياه قد تشدك أثناء كلامه لكنك لا تتحمس لأن تفعل مثله، فمهما حاول أن يخفف من المعوقات التي لا تنتهي إلا أنها تظل موجودة ، ولا تدفعك إلي الانطلاق مثله في الشوارع. لكنك قد تتذكر كلامه وتتخيله وهو يمشي دون وجهة محددة. وينزل من الميكروباص أو التاكسي عندما تطول الإشارة ويمشي متجاوزا كل الضيق من الخنقة. وقد يدفعك تخيلك إلي أن تفكر في بديل آخر لفكرة الخروج قد تكون في إمكانك، وتحقق نفس المفعول الذي يتحدث عنه صاحبنا. وقد تعثر علي البديل وتجربه أياما ثم تتناساه أو تتخلي عنه في زحمة أيامك. ويزداد شكك في قدرة هذا الصديق علي مواصلة الخروج. وتنضم إلي بقية الأصدقاء الذين لم يقابلوه أبدا في خروجاته المستمرة والذين يرون أنه في الحقيقة مثلنا كلنا لا ينطلق إلا في تخيلاته.