هل في مصر ظلم ؟ الأصح أنه لم يخرج منها!. هل يختل فيها ميزان العدل؟ هل يعشش فيها الجهل ؟ هل تحتاج إلي ثورة ؟ نعم. قيل إن الظلم لا يصنع ثورة. ولكن الإحساس بالظلم هو الذي يصنعها. والناس في بلادنا لا ينقصهم الإحساس بالظلم. لكن ينقصهم الوعي المطلوب لإحداث التغيير سواء بالثورة أو بغيرها. الفرق بين الثورة وبين الفوضي شعرة. وأزعم أن الناس الذين يعانون الظلم يعرفون هذا ويخشون الفوضي. ولذا لا يفكرون في الثورة. وأزعم أن السلطة تدرك هذا!. ولذلك لا تستجيب لمطالبهم! .بل تستثمر هذا الخوف لإسكاتهم. الناس تخشي الفوضي بحسها المتوارث. فمصر دولة منذ آلاف السنين وفيها تكمن قوتها وحضارتها. والفوضي تنخر أساس الدولة كحريق هائل يقضي علي البيت وعلي سكانه ولا يترك إلا الرماد. ولهذا لا يثور الناس جماعة وإنما يبحث كل عن خلاصه لنفسه بنفسه. فيلجأ للرشوة والاختلاس والتحايل والنصب والواسطة فالتسول وأخيرا لهجرة غير شرعية. وتتواطأ السلطة فتغمض عينيها غالباعن كل هذا!.سواء كان المتهم شخصا بسيطا أو وزيرا ونائبا في مجلس الشعب.اللهم إذا افتضح أمره.عندئذ تتركه لمصيره ليأخذ العدل مجراه!.هكذا تبدو الصورة مختلطة. فالمظلوم هو نفسه قد يصنع الظلم. والجاهل ينشر الجهل بدلا من أن يطلب العلم. والوعي الذي يمكن أن يصنع الثورة بشكل سلمي وبناء هو عمل النخبة. ولذلك فهي المسئولة عن الأوضاع التي وصلنا إليها. لكن النخبة ليست جماعة نستطيع أن نخاطبها. فهي ليست كتلة واحدة وليس لها مقر. وليست حزبا متماسكا بل عدة فرق. وقد جري تزييف معني النخبة. فمثلما دخل البهوات مجلس الشعب تحت مسمي عامل و فلاح. دخل الجهلاء تحت اسم النخبة. النخبة عندنا تضم كل الإعلاميين.. المذيعين ومقدمي البرامج التليفزيونية وكل من تستضيفهم هذه البرامج ،وكل من يكتب في الصحف وكل من يتحدث في أية اجتماعات أو مؤتمرات. وكل من شغل موقعا حكوميا أو موقعا معارضا. النخبة تضم علماء الدين، وجهلاء الدين والأدعياء ومفسري الأحلام. تضم المتعلمين وأساتذة الجامعة التي لم تعد جامعة. تضم كل هؤلاء قبل المثقفين والمفكرين والعلماء والسياسيين الشرفاء. بل تضم الشخصيات المشهورة لأي سبب والمعروفة بلا سبب.. كالمطربين والممثلين ولاعبي الكرة والراقصين والراقصات، المعتزلين منهم والمعتزلات المتحجبات. كلهم يتحدثون عن مصر. وأغلبهم مصر في أدمغتهم تعني هم شخصيا ومصالحهم ليس أكثر. يتقدم صفوفهم الإخوة المناضلون باسم الدين دفاعا عن مشعلي الحرائق في العراق وأفغانستان وباكستان وكل مكان في العالم العربي و الإسلامي وفي أوروبا وأمريكا. وتضم المناضلين من أجل الإخوة في سوريا وإيران وغزة وحزب الله لا مصر. باختصار من نعتبرهم النخبة ليسوا أفضل حالا في الغالب من بقية المصريين. بعضهم ظالم وبعضهم جاهل وبعضهم يرتزق فقط. أيا ما كانت هذه النخبة صالحة أو طالحة فهي مكونة من آلاف.أما مصر فتتكون من الملايين . في السنوات الأخيرة كثرت المظاهرات والاعتصامات والإضرابات والوقفات الاحتجاجية.. بدأتها بعض هذه النخبة بمطالب سياسية يمكن تلخيصها بالدعوة إلي الحرب ضد أمريكا وإسرائيل وإلغاء معاهدة السلام والذهاب للجهاد في فلسطين ومطالب دينية ضد هولندا وسويسرا وألمانيا بسبب الحجاب والنقاب والمآذن إالخ. ومطالب بتعديل الدستور والنظام السياسي. وكلها يلعب فيها الإخوان دور المحرض والزعيم ويتبعهم الغاوون. ثم مطالب فئوية تتعلق بأوضاع ورواتب الصحفيين والمحامين والأطباء والصيادلة إلخ. مؤخرا بدأت ثم زادت المظاهرات والاعتصامات والإضرابات الخاصة بفئات الموظفين والعمال والفلاحين تطالب بالحد الأدني من الكفاف الذي يبقيهم علي قيد الحياة. هذه المطالب دليل إحساس ودليل وعي لا تقصد ثورة ولا تقصد إسقاط السلطة لأنها ببساطة لا تجد بديلا لها في النخبة الحالية. ولأن السلطة تدرك هذا فهي لا تعيرها أذنيها!. ولا يتحرك رجالها ليتعطف وينظر في مطالبهم. فالسلطة ممثلة في المسئولين تخشي أن تستجيب لها فتصبح القاعدة أن يأخذ الناس حقوقهم! بالأمس في برنامج العاشرة مساء كانت هناك سيدة اسمها مرفت تتحدث عن مطالب فئة العمال التي تنتمي إليها والمعتصمين بقرب مجلس الشعب موضحة أنهم يتقاضون منذ عشرين سنة أجرا أًقل من ثلاثة جنيهات يوميا ومهددون بالفصل. وجلس أيضا اثنان من النخبة يطالبان بحق التظاهر والاعتصام والإضراب مع أنه منتشر في طول مصر وعرضها!! يطالبان بحرية الرأي كأن الناس ممنوعة من الكلام. السيدة مرفت تتحدث في وادٍ وهم في وادٍ آخر كشف عنه كل الذين اختارهم البرنامج ليتدخلوا بمكالمات هاتفية، فقد أيدوا الأستاذين بشكوي أنه قد تمر أيام بين إخطار الأمن بمظاهرة من أجل فلسطين والموافقة عليها وبهذا تكون المناسبة قد فاتت!!. تصوروا قضية فلسطين التي دخلت في عقدها السابع كانت ستحل إذا وقعت المظاهرة في ساعتها. أساتذة النخبة قالوا إن التظاهر من حقوق الإنسان. شكرا للمعلومة. ما لم يقال إن المظاهرة هدفها إعلان الرأي. لا الأمر به. فالناس تختلف في الرأي. وأحيانا يكون الهدف المضمر من المظاهرة هو فرض هذا الرأي بإلقاء الحجارة ( انتفاضة يعني) رغم عدم وضوح الهدف مثلما كان هدف السيدة مرفت واضحا.هي تريد إطعام أطفالها وتصر علي هذا وأقسم أنها ستناله رغم أنف المسئولين. أما النخبة فتولي وجهها إلي خارج مصر لتدعي البطولة لتسقط السلطة وتحل محلها غير عابئة بمشكلة السيدة مرفت. علي السلطة أن تنتخب نخبتها جيدا. وأن تصلح أوضاع الناس الذين لا يهدفون لإسقاطها بأن تتخلص من معظم وزرائها. الاختيار مازال لها حتي الآن. لكن دوام الحال من المحال! أليس كذلك ؟!