بعد أربع سنوات من البحث والمعايشة في أفقر الأحياء الفرنسية، خرج الصحفي والمراسل في صحيفة لوموند الفرنسية، لوك برونيه، بكتابه "قانون الجيتو". ولأول مرة يجرؤ مؤلف علي استخدام هذا اللفظ "الجيتو"، الذي يثير الكثير من القلق في الجمهورية الفرنسية، في إشارة إلي الضواحي والأحياء المحرومة حول العاصمة الفرنسية باريس والمدن الكبري، لكن يؤكد أن استعماله لهذا المصطلح - الذي يقصد به منطقة معينة، في الغالب فقيرة وعشوائية، يقيم فيها مجموعة من الناس ينتمون إلي أقلية عرقية أو ثقافية أو دينية واحدة، وكان يطلق في الأصل علي الأحياء التي أجبر اليهود علي العيش فيه في روما القديمة - جاء مناسبا تماما وغير مبالغ فيه. فعام بعد عام ، نشأت حول المدن الفرنسية الكبري، أحياء منفصلة، لها طبيعتها الخاصة و قوانينها ولغتها ووحدودها. البطالة، عدم الإحساس بالأمان، الهجرة، الاستعباد، الفقر، العنف..هي مفردات الحياة اليومية في هذه "الأراضي المفقودة من الجمهورية" كما يطلق عليها أيضا المؤلف، والذي يعد أكثر من ثلث سكانها من المراهقين تحت 18 سنة، لذا فالأزمة بالأساس كما يصفها الكتاب هي أزمة اجتماعية: مراهقون يعانون من الفقر والبطالة، بالإضافة إلي عدم الإرتباط بالمكان وإنعدام الهوية، فأغلبهم من أبناء المهاجرين سواء من المغرب العربي أو من افريقيا، فيتجهون للعنف والسرقة و تجارة المخدرات. ويؤكد برونيه، الذي حاز عام 2007 علي جائزة ألبير لندن الصحفية لتحقيقاته حول الشباب في الضواحي، أن التوازن الاجتماعي في فرنسا يبدأ من علاج هذه المناطق، التي مازالت تشكل الشرخ الأكبر في هذا التوازن "ويسعي المؤلف من خلال رحلته في هذه الضواحي القاتمة لعرض أوضاعها بإنسانية وشفافية ومصداقية، دون أن يجعل من سكانها ضحايا أو رعاعًا، فهو يصور كيف تهدم هذه المناطق نفسها بنفسها، فالموتي يتساقطون يوما بعد يوم سواء بسبب الانتحار أو القتل أو جرعات المخدرات الزائدة.. وبسبب تردده الدائم علي هذه الأحياء، استطاع برونيه أن يكتسب ثقة السكان الذين فتحوا له قلوبهم وحكوا له عن حياتهم في هذه الظروقف الصعبة، وعن التقاليد الصارمة لهذه المناطق التي تدار في أغلب الأحيان بالطريقة القبلية. ولم يكتف الكاتب بجمع شهادات السكان، بل أثري كتابه، الذي يعتبر دراسة تحليلية متكاملة لا تخلو من الجوانب الإنسانية، بأراء علماء الاجتماع، ورجال الشرطة، ورجال الأدارات المحلية، والقضاة، بالإضافة إلي المحللين السياسيين ورجال الإعلام، في محاولة لإلقاء الضوء علي هذه القضية المهمة التي لم تكف عن التدهور خلال ال20 عامًا الماضية. ويضيف في النهاية تصريحات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في هذا الشأن منذ ان كان وزيرا للداخلية خاصة مع تفاقم أعمال العنف والتخريب عام 2005 فيما عرف وقتئذ "بثورة الضواحي"، والتي لم تنجح حتي اليوم في تقديم حل جذري لهذه المشكلة.