بركان خامد يقع في آخر الدنيا في أيسلندا، لأسباب لا يعرفها أحد أحس باضطراب في معدته فقرر أن يتقيأ كل ما فيها من تراب بركاني في السماء محدثا سحابة سوداء كثيفة لم تكتف بتسويد حياة الأيسلنديين فقط بل أخذت طريقها إلي كل سماوات أوروبا لتحول حياة بقية سكان أوروبا إلي سواد، وآخر أخبارها هو وصول تباشيرها إلي تركيا. توقفت رحلات الطيران من أوروبا وإليها فتكدس البشر في المطارات وشوارع العالم ينتظرون الفرج من السماء، والفرج هو أن تنقشع هذه السحب السوداء المحملة بالغبار البركاني. كارثة.. غير أنها تفتح أعيننا علي معان لم نكن نحفل بها من قبل، ومنها أن عالمنا صغير وضعيف للغاية، كما أن علومنا أيضا مازالت قاصرة عن حمايتنا من بركان قرر أن يقذف بكل ما في جوفه من حمم و تراب أوقف حركة الطيران و عطل حركة الناس في مشارق الأرض ومغاربها. غير أن الدرس الجدير بالاستيعاب هو أن هذه الكارثة عززت فكرة وحدة البشر، المطارات الآن تتكدس فيها مئات الآلاف من البشر من كل الأجناس والأعراق والأديان في ضياع وتعاسة، كلهم يحلمون باللحظة التي يعودون فيها إلي أوطانهم، وهو ما يذكرني بتلك اللقطة الشهيرة في فيلم "E.T " عندما نظر المخلوق الفضائي إلي نجوم السماء اللامعة البعيدة وأشار إليها وقال في شوق وألم " Home .." الكارثة العامة تؤكد وحدة مصائر البشر، وربما تفتح أعين الناس علي أننا لا يجب أن نتيه إعجابا وزهوا بما حققناه علي الأرض من وسائل القوة، حتي الآن نحن مهددون بالأعاصير المدمرة وبالزلازل وحمم البراكين وغبارها، الحدود لم تعد تحمي من يسكن وراءها، فالسموات مفتوحة ولا يوجد في كل ترسانات أسلحة البشر سلاح يقوي علي الوقوف في وجه الغبار البركاني السخيف لمنعه من الحركة أو من السكون في مكانه ثم تبديده لمنعه من تهديد حياة البشر. كما لا توجد محطات للإنذار تحذرنا من قدوم زلزال أو ثوران بركان، إلا في حدود ضيقة للغاية، من الغريب أن الحيوانات تشعر باقتراب حدوث زلزال قبلها بساعات أو أيام، غير أن ذلك ليس مفيدا للبشر من الناحية العملية، أما حكاية البراكين الخامدة فمن المستحيل سد فوهاتها بغطاء من الصلب أو الاسمنت لأنها قادرة علي أن تقذف بذلك كله إلي عنان السماء في لحظات. نحن جنس ضعيف ومخلوقات تعسة تعيش علي كوكب صغير يحتل مساحة في الكون ربما تكون أقل من واحد علي تريليون من المليمتر بالنسبة لمساحة الكون، هذا هو ما يجب أن نعرفه لكي نكتسب قدرا من التواضع نحن في حاجة إليه، بغير تواضع لا أمل في المزيد من المعرفة، لا أمل في الاستمتاع بالحياة أو القدرة علي الإنجاز فيها. الآن نعرف بشكل مؤكد أن استمطار اللعنات علي الأعداء، وذلك بأن نطلب من الله سبحانه وتعالي أن يدمر حرثهم ونسلهم وأن ييتم عيالهم، ليست إلا مظهرا معيبا من مظاهر تخلفنا وجهلنا بحقيقة مؤكدة وهي أننا جميعا قبيلة واحدة علينا أن نتكاتف لحماية أنفسنا من الطبيعة عندما تقرر لأسباب لا نعرفها أن تؤذينا. كما يجب أن نتكاتف أيضا لحماية أنفسنا من هؤلاء المجانين الذين يدفعون الحياة دفعا بأفكارهم المتطرفة إلي مزالق ومنزلقات خطرة يترتب عليها بالفعل قتل الحرث والنسل.