الحزب تحت النار (3) الحزب تحت النار (2) الحزب تحت النار (1) لا يستطيع (الحزب) أن يغفل أنه مؤسسة محورية في بنيان الدولة، مادام حائزاً للأغلبية البرلمانية.. ولا يمكنه أن يتمتع بهذه الوضعية المميزة في نظام سياسي له طبيعة خاصة.. ولا يكون عليه أن يؤدي الواجبات والمهام التي تنبع من كونه (محورياً) في بناء الدولة.. ذلك أن دفاعه عن نفسه هو دفاع عن الدولة.. وما يصيب مقومات الدولة من هجوم قد يكون متعلقاً به في الأساس.. وبالتالي فإن عليه أن يكون في الصف الأول.. وأن يتجاوز مسألة (تقاطعات الأدوار).. ليس هذا وقت مراعاة الخواطر.. أو انتظار حسم تضارب الاختصاصات.. هذا وقت مراعاة المصالح. إن الالتزام ب(المؤسسية) هو الأصل ونقيض الفوضي، ويحدد الأدوار ويوزع المسئوليات، ولكن هذا الالتزام لا يعني الاستسلام لبيروقراطية قد تسبب خسائر مهولة.. بحيث قد لا تكون هناك مؤسسات تلتزم بمؤسسيتها من الأصل.. في ظل فوضي أخري تريد أن تدهم المجتمع برمته. في عام 2002 بدأ الحزب الوطني عملية (الفكر الجديد)، لتطوير أفكاره وأجندته وأساليب عمله، ولا شك أنه قد نجح في تحقيق مكاسب مختلفة من هذه العملية المستمرة حتي اليوم.. لا سيما أنها انعكست علي الأداء الحكومي.. إذ تجسد الفكر الجديد عملياً في تركيبة الوزارات واختصاصاتها.. وطبيعة الأوعية الجديدة التي تمت الاستعانة بكوادرها في التوزير. نجح (الفكر الجديد) في أن يبني للحزب رؤية متكاملة، وأخضع السياسات العامة لنقاشات مفتوحة من جميع الأطراف المعنية، وتعامل بطريقة علمية مع الأفكار.. ومد بصره إلي الأمام.. وراعي الأبعاد المستقبلية.. واستطاع أن يدفع الأداء الحكومي إلي أن يتجاوب مع أجندة الحزب.. في أغلب الأحوال.. وصارت قولاً وعملاً (حكومة الحزب).. بعد أن كانت سمعة الحزب هي أنه (حزب الحكومة).. وبحيث أصبح نيل الحكومة لتأييد واقتناع الهيئة البرلمانية للحزب عملية معقدة لا بد من المرور بها قبل الذهاب إلي أي من غرفتي البرلمان. خلاصة عناوين (الفكر الجديد) هي أنه نقل الحزب من مرحلة (شبكة العلاقات الاجتماعية السياسية) إلي مرحلة (المؤسسة الحزبية) بكل ما تعنيه الكلمة تنظيمياً ورؤيويا، وهي عملية لم يكن من السهل أن تتم ببساطة في ضوء تراث متراكم وخبرات موروثة من عصر الحزب الواحد وأجيال مارست السياسة باعتياد معين لا يقوم علي القبول بالتعددية. عملية (الفكر الجديد) أدت أيضا إلي الحراك المتفاعل من حول الحزب في جميع أرجاء الساحة السياسية.. إذ لولا أنه بادر بتطوير ذاته.. ما كان قد جري ما جري من تفاعلات في حراك مصر كلها.. خاصة أنه تبني قوانين متطورة للإصلاح السياسي والانفتاح الإعلامي توازت مع عملية التطوير الاقتصادي والاجتماعي. وكان من خصائص عملية ترسيخ (الفكر الجديد) أن انفجر الصخب حول ما وصف بأنه صراع بين الحرسين القديم والجديد.. وقد قيل في أوقات سابقة أن (القدماء) يعرقلون التطوير.. وهذا كان صحيحاً.. وقيل كذلك إن الجدد إنما يريدون أن يذهبوا بالحزب إلي ما يخدم أهدافهم.. بينما هم في الواقع كانوا يعيدون بناء الحزب كما لو كان يؤسس من نقطة أقرب إلي الصفر.. وما لبث أن جري تطوير قيادي في الحزب.. تناغم مع عملية استجابة واسعة النطاق بعد مقاومة بالطبع لعمليات الإصلاح الداخلية.. إلي أن اختفي هذا الاختلاف بين الحرس القديم الذي كان.. وأصبحت كل قيادات الحزب تقول بنفس الخطاب وذات المفردات.. علناً. علي الهامش لا بد أن نسجل أن هذا الحديث الهائل حول اختلاف رؤي الحرسين القديم والجديد لا شك أنه قد أعطي دفعة حقيقية لعملية التطوير وتسويقها داخل الحزب وخارجه.. ومنحها الطاقة والدوافع.. كما أن الحزب استفاد علي عكس ما يوحي به بعض المتابعين من الجدل المنكشف بينه وبين الحكومة.. وأيا ما كانت درجات الاختلاف فإن هذا الجدل نقل الحكومة إلي مربعات أقرب إلي السعي نحو الترضيات الشعبية.. كما أنه نقل الحزب إلي مربعات أقرب من واقعية التطبيق.. هذه كانت تبدو متباعدة عن الرأي العام ولا تنشغل به.. وذاك كان يبدو في بعض الأحيان رومانسيا أكثر مما ينبغي. الآن، يجد الحزب نفسه وهو (تحت النار)، يعيش وئاماً داخلياً.. وتناغماً لا يريد أحد له أن ينتهي.. ولديه آلية محددة تجعل التنسيق بينه وبين الحكومة مثمراً إلي حد كبير.. وتبدو التواصلات بين الحزب وهيئته البرلمانية في جانب وبين الهيئة البرلمانية والحكومة في جانب آخر مترابطة دون انقطاع ملموس ومؤثر.. بعكس ما كانت عليه الحالة في نهاية 2005 وبداية 2006 عقب الانتخابات البرلمانية.. وقد كانت فترة عصيبة. لكن هذا الحزب المتماسك، الذي واءم ما بين متفرقاته ووحداته، وتعرف قياداته الآن كيف يمكن أن تصل إلي أصغر وحدة فيه، وبعد أن تم بث (روح الحزب الواحد) بين مكوناته، صار الآن هدفاً للحملات المستمرة.. التي أصبحت تمثل ضغطاً علي صورته العامة.. وأيضا علي بنيانه الداخلي.. ذلك أن ترسيخ الانتماء الحزبي أو علي الأقل رفع معدلاته قد أدي إلي زيادة الشعور بين الأعضاء بأنه يجب أن تكون هناك دفاعات مستمرة عن السمعة.. وتحسينات دائمة للسيرة المتناقلة عن الحزب. إن قطاعات مختلفة من المهنيين وأساتذة الجامعة والشباب قد انضمت في السنوات الخمس الأخيرة للحزب، وهو ما انعكس بوضوح في مسارات الانتخابات الداخلية وفي تركيبة العضوية، بل في قدرة الحزب علي أن يخوض معركة ناجحة في الانتخابات المتوالية لنقابة المحامين علي مستويات متعددة.. هذه العضوية الحديثة.. مع العضوية الأقدم.. تدفع من أسفل إلي أعلي، نداءات يومية بمواجهة الهجوم الذي يتعرض له الحزب.. ومن المثير أن الاستجابات ليست علي القدر الذي يشفي ويلبي احتياجات أعضاء الحزب. إن التحدي الذي يفرض نفسه علي الحزب هو أنه إذا أقر بالحراك الذي أطلقه في المجتمع.. عليه في نفس الوقت ألا ينكر أن (الفكر الجديد) قد أطلق فيه هو ذاته حراكاً موازياً.. وإذا كان الحراك خارج الحزب أقرب إلي الفوضي والارتباك.. فإن الحراك في الحزب له سياقه ونسقه.. وبينما نقول إن علي الحزب أن يتفاعل بمرونة أكبر وإيقاع أسرع مع متغيرات المجتمع.. فإن عليه أن ينتبه إلي متطلبات الحراك الذي في داخله.. وألا يعاملها بإيقاع ما قبل 2002 نحن في عام 2010 . ونواصل غداً [email protected] www.abkamal.net