كتب : محمد محمود حبيب باحث فى العلم الحديث أرسل لي أحد الأصدقاء عدد جريدة الدستور يوم الأربعاء 6/4/2010 وأصر علي أن أقرأ مقالتين فيهما تطاول واضح وبين علي كثير من علماء ديننا الحنيف متهما إياهم بالنفاق والمداهنة ازاء قولهم بعدم جواز الخروج علي الحاكم وقد أورد كاتب المقال عدة أدلة مرجوحة وضعيفة وواهية ليدلس بها علي السذج الأغرار نافيا ما صح من تواتر الأخبار تحت عنوان. «القرآن لم يأمرنا بطاعة حسني مبارك»!. وقد أورد الكاتب عدة نصوص من تفسير الطبري موهما القراء بأنه رأي الطبري جاهلا أو متغافلا عن شرط الطبري في كتابه فإن الطبري من عادته أن يذكر كل الآراء والأقوال الواردة في الباب بدون تحقيق «أي بدون تصحيح أو تضعيف» ثم يذكر قوله الراجح وغالبا رأيه يوافق الآثار الصحيحة فقد ذكر الكاتب عدة آثار جاءت في تفسير «أولي الأمر» وقال بأنهم العلماء والفقهاء وأورد عدة نصوص ضعيفة مدارها علي جماعة من المدلسين الذين لم يصرحوا بالسماع «بالاتفاق» مثل علي عبدالملك بن جريج وليث وغيرهم.. ولا أعرف لماذا لم يذكر بقية الروايات الأخري أو علي الأقل قول الطبري نفسه وهو «أولي الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال هم الأمراء والولاة» (تفسير الطبري 8/495). وأما ما أورده عن جماعة من الصحابة كأمثال عائشة وطلحة والزبير (رضوان الله عليهم) من خروجهم علي علي فهم لم يخرجوا عليه حبا في منازعته الخلافة ولكن للمطالبة بسرعة القصاص من قتلة عثمان ولا يخفي علي كل منصف اعتراف عائشة وندمها علي خروجها كما هو مسجل في التاريخ الإسلامي وكما صح في مصادر السنة المعتمدة. ولا يعلم كاتب المقال أن هناك اجماعا بين العلماء قديما وحديثا علي عدم جواز الخروج علي الحكام أو التظاهرات أو التحريض علي ذلك (ويوجد خلاف بين بعضهم في حالة واحدة فقط وهي ظهور الكفر البواح أو تعطيل إقامة الصلاة). ولا يعلم كاتب المقال أن علماء المذاهب الأربعة رفضوا فكرة الخروج، وأما ادعاؤه بأنهم اهينوا وضربوا في سبيل ذلك فهذا تزييف للتاريخ فالكل يعلم أن الإمام أحمد والشافعي تعرضا للإهانة بسبب موقفهما من عقيدة الأسماء والصفات وأما أبوحنيفة فقد تعرض للضرب بسبب رفضه تولي القضاء! وأحب أن انقل ما قاله الإمام ابن حجر في فتح الباري (13/7) «وقد أجمع الفقهاء علي وجوب طاعة السلطان المتغلب (أي المسيطر علي الحكم بالقوة) والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه» قلت ويدخل ضمن المسيطر علي الحكم بالقوة من يأخذ الحكم بانتخابات مزورة أو بانقلاب فمن يفعل ذلك إثمه عند الله ولكن علينا طاعته!. ويقول الإمام النووي في شرحه لمسلم «أما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين». وقال كذلك ابن أبي العز في شرحه للعقيدة الطحاوية وابن القيم في إعلام الموقعين وغيرهم الكثير ولا يعلم كاتب المقال أن علماء الصحابة أمثال ابن عمر ( وكان أشد الصحابة اتباعا للسنة، وكان من بين الستة المرشحين لخلافة عمر بن الخطاب)! رفض الخروج علي الحجاج وكذلك فقد نهي هو وغيره من الصحابة عن سب الحكام الظلمة سرا أو علنا كما في التاريخ الكبير للبخاري (8/104). ولا يعلم الكاتب أن حديث «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» حديث ضعيف منكر ضعفه أهل العلم.. راجع الجزء الخامس من سلسلة كتابي «تنبيه الأمة المنصورة إلي ضعف بعض الأحاديث المشهورة» برقم (25)، وقد أوردت فيه جميع طرقه أوضحت شدة ضعفها وتوصلت إلي أن الصواب في أصل الحديث أنه من قول أحد التابعين وهو ميمون بن مهران فقد قال «ما من صدقة أفضل من كلمة حق عند إمام جائر». أخرجه أبونعيم في حلية الأولياء بسند صحيح موقوفا علي ميمون أي أنه لم يثبت عن النبي (صلي الله عليه وسلم) ولا عن الصحابة!. ولا يعلم كاتب المقال أن الحديث الذي استدل به في فضل عمار ضعيف ضعفه أهل العلم وأفضل طرقه فيه السدي الكذاب أم أنه يشحن مقاله بكل ما ضعف وشذ. واعلم أخي السائل أن هذا الحديث هو أساس المنهج الفاسد الذي يتبناه أصحاب فكرة الخروج علي الحاكم وهو منهج الخوارج الجدد، واعلم أن المنهج الصحيح هو عدم الخروج إلا في حالات معينة أوضحها الدين الحنيف وهي أن يصدر من الحاكم كفر بواح أو تعطيل الصلاة، وليس معني طاعة الحاكم أن تكون هناك مداهنة ونفاق فلا سلطة دينية في الإسلام ولم يأمرنا الإسلام بالدعاء للحاكم ليل نهار. وعدم الخروج بالمعني الشرعي الصحيح قد فهمه الصحابة رضوان الله عليهم وطبقوه أكثر من مرة بعد وفاة النبي (صلي الله عليه وسلم) أيام الحجاج وغيره وكانوا اقدر علي الخروج ولكنهم لم يفعلوا ذاك لمخالفته ما امرهم به حبيبهم النبي (صلي الله عليه وسلم). وعلي جميع المسلمين أن يلتزموا بما جاء عن النبي من أفعال وأقوال في أوقات الفتن والأزمات ولا ينشقوا علي حكامهم وأن قصر الحكام في حق المحكومين فعلي الله حسابهم فقد أمرنا النبي (صلي الله عليه وسلم) ألا نخرج علي الحاكم حتي لو أخذ مالنا وضرب ظهرنا وكذلك طاعته في المنشط والمكره كما صح في الصحيحين البخاري ومسلم، وقد قيد بعض العلماء طاعة الحكام فيما وافق شرع الله أما الخروج عليه فلا.