القضاء الإداري بالأقصر يرفض طعون 3 مستبعدين من انتخابات الشيوخ    رواتب تصل ل900 يورو شهريًا.. فرص عمل جديدة في البوسنة والهرسك    وزير الصحة: أكثر من 120 ألف حالة وفاة سنويا نتيجة الغذاء غير الآمن    النواب اللبناني يناقش الحكومة بشأن إجراءاتها تجاه الاحتلال والعدوان الإسرائيلي    الفريق جبريل الرجوب ل«الشروق»: الاحتلال يستهدف خنق الوجود الفلسطيني للدفع نحو التهجير القسري    الشباب والرياضة تتلقى خطاب شكر من الاتحاد الدولي للإسكواش    "البني آدم سمعة مش عضوية".. أول تعليق من مصطفى يونس على بيان الأهلي    لماذا استعان محمد عمارة بمرتضى منصور في أزمته مع شوبير؟    مصدر يُجيب لمصراوي.. هل حسم الزمالك صفقة عدي الدباغ؟    ننشر أول صور لأشقاء المنيا الأربعة ضحايا الوفاة الغامضة.. والناجيتان تعودان للمستشفى    توقعات طقس 6 أيام.. أمطار رعدية وشبورة كثيفة وارتفاع حرارة    تامر حسني يطرح كليب «الذوق العالي» بالتعاون مع محمد منير    الليلة.. ختام مهرجان قسم المسرح الدولي بمكتبة الإسكندرية    المفتي يوضح حكم إلقاء السلام من الرجال على النساء    محافظ المنيا يكرم 79 من حفظة القرآن الكريم - صور    محافظ الإسكندرية يدشن مبادرة 100 يوم صحة لتحسين خدمات الرعاية الصحية    البنك الأهلي المصري يحذّر من التعامل أو الاستثمار في العملات الرقمية أو المشفرة    سعر ومواصفات MG ZS الفيس لفت الجديدة فى السوق المصرى    لطفى لبيب ل اليوم السابع: أنا كويس وخارج يوم الجمعة    رئيس المركز القومي للبحوث يكرم الزميل محمد صبحى لجهوده فى نشر ثقافة البحث العلمي    نتيجة الامتحان الإلكتروني لمسابقة معلم مساعد دراسات اجتماعية.. الرابط الرسمي    رئيس الطائفة الإنجيلية: الموقف المصري من نهر النيل يعكس حكمة القيادة السياسية وإدراكها لطبيعة القضية الوجودية    كريم الدبيس: "كولر" مراوغ وقطعت عقود بلجيكا للانتقال للأهلي    التعليم العالي: 22 ألف طالب يسجلون لأداء اختبارات القدرات    مصدر ل"مصراوي": كشف جديد للذهب بمنطقة "آفاق" باحتياطي يتخطى 300 ألف أوقية    لليوم الثالث.. انتظام أعمال تصحيح الشهادة الثانوية الأزهرية بالقليوبية    مها عبد الناصر تطالب بالكشف عن أسباب وفاة 4 أطفال أشقاء في المنيا    وزارة الدفاع السورية: الجيش يبدأ دخول مدينة السويداء عقب اشتباكات دامية في محيطها    برج السرطان.. حظك اليوم الثلاثاء 15 يوليو: احذر    أمير كرارة وأبطال فيلم الشاطر يحتفلون بالعرض الخاص فى 6 أكتوبر.. اليوم    تفاصيل استحواذ ميتا على شركة Play AI الناشئة المتخصصة فى مجال الصوت    زوجة تلاحق زوجها بدعوى حبس بعد طلبه تخفيض نفقات طفلتها    دعاء الفجر.. اللهم إنا نسألك فى فجر هذا اليوم أن تيسر أمورنا وتشرح صدورنا    الإيجار القديم بين الواقع والمأمول.. نقلا عن "برلماني"    كل ما تريد معرفته عن كأس العالم للأندية 2029    محافظ الفيوم يشهد إنطلاق فعاليات المبادرة الرئاسية "100 يوم صحة"    قوات الاحتلال تعتقل أكثر من 32 فلسطينيا من الضفة الغربية    طائرات مسيرة تهاجم حقل خورمالا النفطي في منطقة كردستان العراق    القومي لحقوق الإنسان يعقد ورشة عمل حول العمال وبيئة العمل الآمنة    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الثلاثاء    إنجاز جديد لمصر.. "أيميا باور" تُشغّل أول نظام بطاريات لتخزين الطاقة    محافظ أسيوط يعقد اجتماعا مع اهالى عرب الكلابات بمركز الفتح لحل مشاكلهم    الصحة: بدء تدريب العاملين المدنيين بوزارة الداخلية على استخدام أجهزة إزالة الرجفان القلبي (AED)    تسجيل 17 مليون عبوة منتهية الصلاحية ضمن مبادرة «سحب الأدوية» (تفاصيل)    الدفاع الروسية: إسقاط 55 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    القومي لحقوق الإنسان ينظم ورشة عمل حول مقترح قانون الأحوال الشخصية الجديد    محمد الحنفي يعتزل التحكيم.. رسميًا    بإقبال كبير.. قصور الثقافة تطلق برنامج "مصر جميلة" لدعم الموهوبين بشمال سيناء    ثنائي بيراميدز ينضم إلى معسكر الفريق في تركيا    الجيش الإسرائيلي يطلق النار على فلسطيني ويعتقله بالضفة الغربية    أستاذ فقه بالأزهر: أعظم صدقة عند الله هو ما تنفقه على أهلك    خاص | أسرة حفيدة أم كلثوم ترد على مدحت العدل بعد انتقاده حجابها    محمد حمدي: هذه أسباب عدم نجاحي مع الزمالك    محامي المُعتدى عليه بواقعة شهاب سائق التوك توك: الطفل اعترف بالواقعة وهدفنا الردع وتقويم سلوكه    أكلت بغيظ وبكيت.. خالد سليم: تعرضت للتنمر من أصدقائي بعد زيادة وزني    «مستقبل وطن» يُسلم وحدة غسيل كلوي لمستشفى أبو الريش بحضور قيادات جامعة القاهرة    السيطرة على حريق في مخلفات غزل ونسيج بالغربية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 15-7-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضبط إيقاع المنظومة التعليمية
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 12 - 04 - 2010

مما لا شك فيه أن المنظومة التعليمية تحتل مكانة مهمة في تحديد مسارات مستقبل الشباب بما ينعكس بشكل مباشر وقوي علي السلوكيات السائدة في المجتمع والمؤشرات حول آفاق المستقبل، ومن هذا المنطلق يمكن النظر إلي التعقيدات التي تواجهها العملية التعليمية، خاصة في مراحلها الأولي، وطبيعة المهمة الملقاة علي عاتق وزارة التربية والتعليم في التعامل معها، الأمر الذي يدفعنا إلي تركيز الضوء علي بعض النقاط الرئيسية:
1- إن المقصود بضبط الإيقاع هو ضمان وجود تناغم بين مكونات المنظومة لتتضافر جميعا في إنتاج متكامل يحقق أهدافا محددة ومتفقا عليها مسبقاً، تتمثل في هذه الحالة في توفير التربية الصحيحة والتنشئة السليمة، وإرساء الأسس الصلبة لتعليم جاد يتسم بالدقة والموضوعية اللازمة لتمكين النشء والشباب من التعامل مع تحديات التطور السريع في وتيرة العلم، واكتساب المعرفة القادرة علي المنافسة في سوق العمل المحلية والخارجية.
2- بلغت الإشكاليات التي تحيط بالمنظومة التعليمية، خاصة المدارس، نقطة لا تحتمل التأجيل أو التراخي، وقد عكس ذلك الملفات العديدة التي طرحت نفسها علي الساحة خلال الأعوام القليلة الماضية، حاملة في طياتها مؤشرات سلبية خطيرة، من قبل ملف تسريب أسئلة الامتحانات خاصة في المراحل النهائية والحاسمة، وقضايا العنف المدرسي الذي تخطي ما يمكن أن نطلق عليه مجازا شقي "المعادلة المدرسية" المتمثلين في الطلاب والجهاز التعليمي، ليمتد إلي أولياء الأمور الذين يتحملون تبعات اضطراب الإيقاع ويترددون علي المدارس للسعي لإيجاد حلول له، دون أن يحالفهم التوفيق في كثير من الحالات.
3- وفرت الزيارات المفاجئة التي قام بها السيد وزير التربية والتعليم لبعض المدارس في الفترة الأخيرة فرصة لتركيز الضوء علي المشكلة وأبعادها المختلفة سواء ما تعلق منها بالبنية الأساسية أو درجة الانضباط أو المستوي التعليمي، أو حتي انعكاسات ما تتضمنه المناهج الدراسية من مفاهيم تربوية علي الواقع العملي، وكان المثل الخاص بالدروس التي تحض علي النظافة صارخا، ففي الوقت الذي يتم فيه تلقين التلاميذ والطلاب هذه الدروس دون التركيز علي المضمون في المرحلة الابتدائية، تتراكم القمامة في الفصول الدراسية وأروقة المدارس بفعل نفس الطلاب الذين يجتازون امتحانات تتضمن أسئلة وموضوعات تعبير عن النظافة وواجبهم للحفاظ علي البيئة.
4- أن عملية ضبط الإيقاع تمتد لتشمل العديد من الجوانب التنظيمية والبنيوية والتربوية والوظيفية والمهنية، بما يجعلها غاية التعقيد، الأمر الذي قد يتطلب تشكيل لجنة محايدة متعددة التخصصات تكلف بوضع استراتيجية متكاملة للتعاطي مع مشكلات منظومة تتصف ليس فقط بأنها مترامية الأطراف وواسعة الانتشار، ولكن أيضا باستمرارية وديمومة تقاطعها مع جميع أفراد الشعب بمختلف قطاعاته بشكل أو آخر، كما أن لمضمونها وانتظامها آثارا عديدة علي حاضر المجتمع ومستقبله.
5- تثير عملية ضبط الإيقاع تحركا يتخطي الجانب الشكلي المتصل بالانتظام والانضباط والالتزام بالمواعيد، فعلي الرغم من أهمية هذا الجانب في تحقيق الهدف المطلوب، إلا انه يظل هامشيا مقارنة بالمضمون والقدرة علي مخاطبة العقول وتشكيلها، وفي هذا السياق تبرز قضية العنصر البشري الذي يتولي رسالة إعداد شباب المستقبل وغرس قيم وأخلاقيات وسلوكيات تهدف لتشكيل شخصية سوية بعيدة عن الانفصام بين الوضع المثالي والحقيقة القائمة، أو بين النص المكتوب والواقع المُعاش. وعلي الرغم من كل ما يمكن أن يقال حول ملف الدروس الخصوصية، وخلفياته، فإنه ما هو إلا انعكاس لخلل في كفاءة الأداء من جانب، والظروف الاقتصادية للعاملين بمهنة التدريس من جانب آخر. وإذا كان الطرح الخاص بالكادر التعليمي قد انطلق من مفهوم الكفاءة ورفع المستوي الاقتصادي، فإن الواقع العملي يثبت أن هناك معارضة داخلية لهذا التوجه انطلاقا من مقولة أن العائد المنتظر من هذا المشروع أقل بكثير من المزايا التي يحققها استمرار الوضع علي ما هو عليه، وبعبارة أخري استمرار ظاهرة "تجارة" التعليم علي حساب مقولة "رسالة" التعليم.
6- وعلي صعيد آخر يبرز التناقض بين الجانب الشكلي والموضوعي فيما يتصل بالأنشطة الرياضية والاجتماعية بالمدارس والتي تجد مكانها بشكل مثمر علي الجداول الدراسية دون أن تكون لها ترجمة جادة علي أرض الواقع، الأمر الذي ينعكس علي الجانب الصحي للطلبة المثقلة ظهورهم بحقائب مدرسية ضخمة تضم جميع الكتب المقررة وملحقاتها الأخري، والذين تتم معاقبتهم لعدم إحضارها.
7- علي الرغم من دفع مسئولي وزار التربية والتعليم، علي الأقل في المرحلة السابقة، بأن المناهج الدراسية تتضمن العديد من مفاهيم حقوق الإنسان، وهو ما تم شرحه في كتيب خاص قام كاتب هذا المقال بالاطلاع عليه يتضمن توزيع هذه المفاهيم علي الفصول الدراسية المختلفة، إلا أن الواقع العملي لطلاب المدارس، والفعلي بين صفوف طلاب الجامعات، بل والشباب بصفة عامة، يظهر الخلل بين الفلسفة التي يتضمنها هذا الكتيب والتنفيذ الفعلي لها، والذي يقتصر علي أسلوب التلقين والحفظ، ويبتعد عن أساليب الحوار والتفاعل التي يمكنها وحدها تكريس المفاهيم لتنعكس بعد ذلك علي أنماط السلوك والتفاعل مع الآخرين. وليس أدل علي ذلك من أن مناهج المرحلة الابتدائية لا تتضمن أية إشارة عن حقوق الطفل في حين أن المستهدفين هم الأطفال، كما أن ما تتضمنه فصول المرحلة الإعدادية من عناصر لمفهوم المواطنة يقتصر الأمر علي تلقينها وحفظها بهدف اجتياز الامتحانات، ويكون من الصعب علي الطلاب بعد ذلك تذكرها، وبعبارة أخري، فإن عملية غرس المفاهيم في النفوس، وهي الأكثر أهمية، قد تمت تنحيتها جانبا لصالح عملية أخري، تأتي في مرحلة أدني في سلم الأولويات التربوية، تتمثل في اجتياز الاختبارات فقط لا غير.
8- تثير قضية ضبط الإيقاع إشكالية تأهيل المدرس بحيث تتوافر فيه صفات التخصص في المادة وامتلاك القدرات التعليمية المناسبة، وتفعيل دور الموجه الذي يرصد نقاط الضعف ويسعي إلي تقويمها، وتقوية الأجهزة الرقابية التي تتابع مسار العملية التعليمية بجوانبها المختلفة، وإذا كانت الزيارات الميدانية الأخيرة للسيد الوزير قد أسفرت عن خلق حالة من الاستنفار في صفوف المدارس تحسبا للمزيد منها، مما قد يوفر درجة من درجات الانضباط الخارجي علي الأقل لفترة محدودة، فإن المشكلة تظل أكثر عمقا من ذلك، ويتطلب التعامل معها الكثير من الجهد علي جميع المستويات الإدارية والفنية، من خلال خطط عمل مرحلية تتضافر جميعا في توفير البيئة الصالحة والقادرة علي ضبط الإيقاع وتحقيق الأهداف المرجوة والأصيلة بما يعيد الثقة في المنظومة التعليمية من جانب، ويساعدها علي المساهمة في إعداد الشباب لمواجهة تحديات العصر بشخصية قوية بعيدة عن الازدواج أو الخوف من العقاب وإنما واثقة بنفسها ومسلحة بالعلم والأخلاق المكتسبين من الأسرة أولا والمؤسسة التعليمية ثانيا من جانب آخر.
وفي الخاتمة يمكن القول أن ضبط إيقاع المنظومة التعليمية هو واجب قومي يتصل بشبكة واسعة من الحقوق تبدأ من حقوق الطفل وفي مقدمتها الحق في التعليم، وحق المعلم في معيشة كريمة، وحق الأسرة في عدم استنزاف مواردها، وحق المجتمع في استثمار موارده البشرية الشابة بشكل يحقق الصالح العام ولا يتسبب في تضخيم المشاكل التنموية القائمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.