يرتبط اسم الملكة كليوباترا السابعة (69 ق.م-30 ق.م) ملكة مصر في الأذهان ببريق وسحر أسطورة السينما الهيوليودية إليزاييث تايلوري الفيلم الذي صورها علي أنها أنثي فاتنة وماكرة لا يشغلها سوي التزين لفتنة الرجال، وتناست أنها ملكة حكمت إمبراطورية من أعظم الإمبراطوريات القديمة، فسيرة كليوباترا لم يتم تناولها سوي من خلال خيالات الروايات وبعض من الأفلام التي جعلت من شخصية الملكة شخصية أسطورية بدلا من شخصية حية متكاملة الملامح والأركان عاشت علي الأرض قبل أن تعيش في اللوحات القديمة المنقوشة علي جدران المعابد المصرية. وفي كتابه الجديد "السيرة الذاتية لكليوباترا" يتناول المؤرخ والباحث دوان رولر لأول مرة حياة ملكة مصر باعتبارها امرأة حقيقية، وملكة قوية حكمت مملكتها الممتدة من آسيا الصغري وحتي مصر لمدة 21 عاما عنيت فيها بالحرب والفنون، وحتي حبها ليوليوس قيصر ومارك أنطونيو - ذلك الحب الذي كان مصدر سمعتها بوصفها فاتنة الرجال وقائدتهم للهلاك، كان لرجال اختارتهم بعناية لضمان إنجاب خلفاء متميزين وجديرين بالإمبراطورية الضخمة التي ستخلفها، وإن كانت كليوباترا قد خسرت وفاز معارضوها من الرومان إلا أن ذلك لا يقلل من قدرتها وعظمتها في شيء. وقد كانت مهمة رولر في جمع المزيد من المعلومات التاريخية، وقراءة العملات ،التي تعد من أهم الشواهد علي الحقب التاريخية القديمة، مهمة صعبة بالنظر إلي سيرة طويت في غياهب النسيان بعد الهزيمة والموت، لكنه استطاع أن يجمع الكثير من تفاصيل حياتها وسير حاشيتها داعما إياها بخلفية غنية تمتد إلي ثلاثة قرون سابقة لسلالة البطالمة. وقد عرف الملك بطليموس الثاني عشر، والد كليوباترا، بحبه للعلم وكان يسعي إلي إعادة تنشيط الحياة الفكرية المتلاشية في مدينة الإسكندرية الكبري علي الرغم من الاضطرابات المدنية، وقد يكون ذلك هو السبب في أن تتلقي ابنته ذلك القدر الاستثنائي من التعليم الذي لم تحصل عليه امرأة في أي عائلة ملكية أخري، فقد أثبتت كليوباترا تميزها كخطيبة مفوهة ودبلوماسية وحاكمة مثقفة ومعنية بالفن والعلوم المدنية والحربية، والتي يري المؤلف أن المفهوم الشعبي عنها باعتبارها مجرد حاكمة لم يميزها سوي الدم الملكي والقدرة علي الفتنة، هو مفهوم خاطئ وظالم في الوقت نفسه. وقد تكون سيرة الملكة أسطورية نظرا لكم الأحداث التي ميزت عهدها، بداية من الفتنة ومحاربة أخيها لها،وقتله للقائد الروماني بومباي، ثم تحالفها مع يوليوس قيصر ووقوفه بجانبها وإعادة عرش مصر لها، ثم إنجابها لابنه، وتواجدها في روما عند اغتياله، ثم تلك المؤامرات المعقدة والأعداء الآخذين في الازدياد في البلاط الروماني، ثم التوأم الذي أنجبته لمارك أنطونيو وهزيمتها المشتركة معه علي يد أوكتافيو وأخيرا انتحارها، ففترة حكمها امتلأت بزخم كبير جعل من عهدها مادة خصبة للشعراء والرواة والرسامين. في كتابه يؤكد رولر علي أن كليوباترا رومانية الأصل علي الرغم من الدعاية السيئة التي نشرها أوكتافيو عنها بوصفها أجنبية خسيسة، فالمنافسة بينهما كانت مشتعلة والحرب كانت ضروسا، لكن كليوباترا ملكة رومانية بدم حر وإنسانة متعددة الجوانب تحمل شخصية مركبة وفريدة وليست فقط أيقونة تاريخية متوهجة نزع عنها النبل في المخيلة الشعبية عن عمد.