كيف ارتبط اسم برنارد مادوف بأكبر وأهم أزمة اقتصادية حدثت في العالم منذ أكثر من مائة عام؟ هذا هو الخيط الذي يتتبعه الصحفي والكاتب الأمريكي مارك سيل في كتابه "مادوف..رجل يساوي 50 مليار دولار". الكتاب الذي يحتوي علي ثلاثة تحقيقات صحفية حول برنارد مادوف وعائلته وضحاياه، يعتبر بمثابة الكتاب الأسود للعقد الماضي. ويعتبر برنارد مادوف تجسيدا حيا للحلم الأمريكي، فهو يهودي من نيويورك ، بدأ من لا شيء ليدخل عالما لايفقه فيه شيئا قبل ان يصل إلي قمة الهرم الاجتماعي في المجتمع الامريكي ، إذ يقال إنه أنشأ شركته عام 1960 باستثمار يبلغ خمسة آلاف دولار فقط جمعها من العمل كسباح محترف بالإضافة إلي أعمال متفرقة في مجال الحراسة وتركيب مرشات الحريق!! وخلال عقد واحد فقط طور شبكة واسعة من العلاقات وأصبحت له لائحة عملاء تضم كبار الأثرياء خاصة من يهود نيويورك، قبل أن يدخل عالم الاستثمار بالقطاع المصرفي ليلمع نجمه بعالم المال مطلع تسعينيات القرن الماضي. اكتسح مادوف وول ستريت بسرعة فائقة وأصبح رئيسا لناسداك (بورصة شركات التكنولوجيا)،وبلغت استثماراته مليارات الدولارات ويشرع مارك سيل من خلال كتابه في الغوص في أعماق شخصية برنارد مادوف ، فشكله المسن الطيب وشهرته كرجل خير لا تدل أبدا علي هذا الكم من النفاق واللا أخلاقية التي يخفيها. ولكن يبدو أن صدر مادوف ضاق ذرعا بسر كبير لم يكن يعرفه إلا هو، ولم تعد له القدرة علي مواصلة مسلسل يلعب فيه وحيدا دور بطل مضاد يستدرج ضحاياه بمن فيهم أبناء ملته وحتي أفراد عائلته ، بأذكي الطرق قبل أن يحتال عليهم.. هكذا باح مادوف لأحد أبنائه بأن الإمبراطورية المالية التي بناها علي مدي نحو خمسة عقود كانت مجرد قصر من الرمال، وأنها أصبحت علي أبواب الانهيار لينتهي به الأمر ضيفا خاصا علي مكتب التحقيقات الفيدرالي قبل أن يصدر الحكم عليه بالسجن 150 عاما! ولكن يؤكد الكاتب ،الذي يضم أيضا شهادات الضحايا وأفراد أسرة مادوف الذين كان أغلبهم يعملون معه وشاركوه في إدارة شركاته وبشكل غير مباشر في إدارة أكبر عملية نصب في القرن ، أن النصاب عبر التاريخ لم يجبر أحدا علي اتباعه، ففي عالم تسوده المظاهر والبذخ ، استطاع مادوف أن يقدم وصفة سحرية للثراء: الاموال التي تتكاثر ذاتيا دون عمل ودون مخاطر متحدية كل الأزمات الاقتصادية والإفلاس، هكذا اصبح مادوف، بالرغم من إدانته الكاملة، كبش فداء لنظام اقتصادي كان في كل الأحوال موشكاً علي الانهيار.