(وماذا لو أن العرب اتخذوا قرارا حكيما في دعم الراحل أنور السادات رحمه الله،الذي حرر أرضه، وحمي بلاده من أن تتحول إلي لعبة سياسية بيد تجار قضايانا بدلا من اتهامه بخرق الإجماع العربي الذي نطالب اليوم بإلغائه؟ طارق الحميد رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط 30/3/2010 ). كأي فلاح مصري، كان يريد استرجاع أرضه بأي ثمن حتي لو دفعه من سمعته أو حياته. وكعضو المؤسسة العسكرية كان مصرا علي استرجاع الأرض بوصفها موقعا خسرناه ولابد من استرداده، وكفنان درامي (سبق للسادات أن تقدم لل عمل ممثلا في فرقة مسرحية ولحسن حظ المصريين والتاريخ أيضا أنه لم ينجح في الانضمام للفرقة ويقول الأستاذ هيكل إنه كان يغني لزملائه في فترة اعتقاله في سجن الأجانب ويقدم لهم فقرات تمثيلية مرتجلة) كان يعرف أن أبسط مظاهر الموهبة الدرامية هي أن تقدم (الفعل) الدرامي الذي تحصل به بالضبط علي ردود الأفعال التي تتوقعها من جمهورك. وبترجمة هذه الجملة إلي قاموس السياسة تصبح (الفعل) الذي تقوم به ويضمن لك تحقيق أهدافك السياسية كاملة غير منقوصة. في السياسة كما في المسرح، ما تراه أمامك من أفعال ليس هو كل العرض المسرحي، هناك أشياء لا تراها تمت في الكواليس، التاريخ سيعرضها لك فيما بعد السؤال هنا يحمل كل ملامح خبث الفلاح المصري ويعكس أيضا قدرات السادات الدرامية العالية، الرجل يتكلم عن مبادرة سلام لم يوضح ملامحها أو أبعادها، غير أن بيجن لم يكن أمامه سوي أن يرد بالإيجاب، كان من المستحيل أن تكون الإجابة شيئا آخر غير كلمة نعم وهي بالضبط الكلمة التي يريدها السادات ليمضي في مخططه الدرامي. من المستحيل أن تسأل مسئولاً سياسياً كبيراً ، هل هو قوي بما فيه الكفاية لصنع السلام؟ ثم يجيبك: لأ.. لست قويا لهذه الدرجة. هناك أيضا في السؤال ما نسميه المعني التحتي Sub text «وهو أنا قوي لدرجة القدرة علي صنع السلام، فهل أنت في قوتي» بعد هذا المشهد انتقل السادات للمشهد الثاني وهو الذي يطلب فيه من بيجن أن يرسل مندوبا عنه لمقابلة مندوبه في المغرب في قصر الملك للتباحث في الأمر. فأرسل بيجن موشي ديان وأرسل السادات السيد حسن التهامي، في كل فرقة مسرحية هناك شخص لا صلة له بالتأليف أو الإخراج أو الديكور أو الدعاية ومع ذلك فهو عنصر حاسم في ظهور العرض المسرحي،حسن التهامي شخص من هذا النوع، لا نعرف عنه شيئا علي وجه الدقة، غير أنه يمكن القول باطمئنان أنه يحتفظ بداخله ببئر للأسرار لا أحد قادراً علي النزول إليها هو شخص كتوم، وأنا أعتقد أن أخطر ميزاته هو أنه قادر علي إقناعك بأنه ليس جادا وهي أخطر صفات الشخص الداهية، يحكي أنه في اجتماعات مجلس قيادة الثورة كان يحدث أحيانا أن يرفع يده بالتحية ثم ينظر إلي لاشيء و يقول هامسا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. ثم يلتفت لزملائه قائلا: ده سيدنا الخضر كان معدّي.. فلما تكررت هذه الحكاية مع ذكر أولياء آخرين، قال له عبدالناصر: يا حسن.. هم لازم يعدوا عليك هنا.. ما تقابلهم بره ياأخي.. هذا هو الشخص الذي أرسله السادات لمقابلة موشي ديان في مكتب ملك المغرب، غير أنه لم يرسله وحده، لقد أرسل معه المرحوم السيد كمال حسن علي رئيس المخابرات المصرية والطريف في الأمر أن كمال حسن علي لم يكن يعرف طبيعة المهمة التي أوفد لها، وبعد أن عاد من المهمة قال للسادات: لماذا أرسلتني مع هذا الرجل إلي المغرب.. ماذا كان من المفروض أن أفعل هناك؟ الرجل لم يقل لي كلمة واحدة عن مهمتنا ؟ وهنا استغرق السادات في نوبة ضحك طويلة ولم يقل له شيئا.