بعد الإعدادية.. شروط القبول في مدرسة الضبعة النووية 2025    «القومي للإعاقة»: حملة جيل الأمل تهدف إلى تعزيز الوعي البيئي لدى الأطفال    16 يوليو 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم    مستشار رئيس الجمهورية يجتمع بمحافظ أسوان لبحث تطورات حياة كريمة    وزير البترول يبحث مع نائب وزير الصناعة السعودي سبل التعاون في قطاع التعدين    مد غلق طريق الدائرى الإقليمى حتى 1 أغسطس فى هذه الأماكن    وزارة السياحة والآثار تتوسع في برامج رحلات السياحة الصحراوية    عودة الاشتباكات في السويداء.. المدينة الدرزية السورية التي مزقتها الحرب الأهلية    مؤسسة غزة الإنسانية: 20 شخصا لقوا حتفهم هذا الصباح في حادث مأساوي في خان يونس    مصر تشارك في مؤتمر بوجوتا لدعم القضية الفلسطينية وتفعيل أحكام القانون الدولي ضد إسرائيل    عقد دورتين تدريبيتين بأكاديمية الشرطة للكوادر الأمنية العاملة بالوزارة بالتنسيق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر    بيان للبرلمان الإيراني: المفاوضات مع واشنطن ينبغي أن لا تبدأ قبل استيفاء شروط مسبقة    الشرق الأوسط.. بعد ما حدث وما جرى    مصر تدين الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي اللبنانية والسورية    فيريرا يطيح بثلاثي الزمالك من معسكر الفريق.. شوبير يكشف التفاصيل    كلوب: فيرتز سيفرض نفسه على تشكيلة ليفربول    عرضان من الدوري المغربي.. شوبير يكشف موقف الأهلي حول بيع رضا سليم    يوفنتوس يرفع عرضه لضم جادون سانشو وسط تمسك مانشستر يونايتد بمطالبه    بيراميدز ينافس الأهلى على ضم مصطفى محمد فى الصيف الحالى    لغز يبحث عن إجابة.. وفاة خامس ضحايا أسرة الموت الغامض في المنيا    ضبط (233) قضية مخدرات وتنفيذ (62) ألف حكم قضائي خلال 24 ساعة    «الداخلية» تواصل حملاتها لضبط الأسواق والتصدي لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز    ضبط مرتكب واقعة التعدي على المارة وترويعهم باستخدام سلاح أبيض بأحد الشوارع بالدقهلية    كلهم عمال به.. إصابة 5 أشخاص فى حريق مخبز بلدى بأسيوط    القبض على قاتل شقيقته في المنيا بسبب خلافات أسرية    تحرير 531 مخالفة ل«عدم ارتداء الخوذة» وسحب 787 رخصة خلال 24 ساعة    أبطال وصناع "فات الميعاد" في ضيافة "صاحبة السعادة" الأحد    «مش هحل».. هنا الزاهد وسوزي الأردنية تعيدان مقطع «تيك توك» في عرض «الشاطر»    فيلم المشروع x بطولة كريم عبد العزيز يقترب من 137 مليون جنيه خلال 8 أسابيع    تامر حسني يحتفل ب«الذوق العالي» مع منير وبنات الراحل رحيم    موعد المولد النبوي الشريف والإجازات المتبقية في 2025    الصحة تعلن تخريج الدفعة ال12 من الدبلومة المهنية في طب الإنجاب والجراحة DIRMAS    إنقاذ مصاب من موت محقق بعد تعرضه للدغة أفعى سامة بمستشفى أجا المركزي    رئيس قطاع الصحة بالقاهرة يجتمع لمتابعة فعاليات حملة 100 يوم صحة    القومي للبحوث يكرم البوابة نيوز    «عبد الغفار»: حملة «100 يوم صحة» تقدم خدمات مجانية عالية الجودة    "لم يكن هناك احترافية".. أحمد بلحاج يتحدث عن تجربته في الزمالك    "وسام القطعة الناقصة".. نجم الزمالك السابق: لاعب الأهلي هيكسر الدنيا بالأبيض    بالتنسيق مع الأزهر.. الأوقاف تعقد 1544 ندوة بشأن الحد من المخالفات المرورية    اعرف حظك اليوم.. وتوقعات الأبراج    ضبط 6 من بينهم 5 مصابين في مشاجرة بين أبناء عمومة بدار السلام سوهاج    برواتب تصل 51,651 جنيه.. تعرف على وظائف البوسنة والهرسك ومقدونيا وموعد التقديم    جيش الاحتلال يعلن استكمال فتح محور ماجين عوز لفصل شرق خان يونس    "النقل" تعلن تمديد غلق الاتجاه القادم من تقاطع طريق الاسكندرية حتي تقاطع طريق السويس ل1 أغسطس    45 دقيقة.. متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط»    انتخابات مجلس الشيوخ 2025 اقتربت وهذا جدول الإجراءات المتبقية    موعد إجازة المولد النبوي 2025 في مصر.. كم يومًا إجازة للموظفين؟    محافظ أسيوط يتفقد موقع حادث محور ديروط ويوجه بصرف التعويضات ورعاية المصابين.. صور    قتلى ومصابون جراء قصف روسي على عدة مناطق في أوكرانيا    تنسيق تمريض بعد الإعدادية 2025 .. التفاصيل الكاملة وشروط التقديم    موعد طرح شقق الإسكان الاجتماعي 2025 والتفاصيل الكاملة ل سكن لكل المصريين 7    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعلنا لنعمك شاكرين وبقضائك راضين    نجاح ساحق.. عمرو مصطفى يحتفل بتصدر «الهضبة رقم 1» و«خطفوني»    كيف أتغلب على الشعور بالخوف؟.. عضو «البحوث الإسلامية» يجيب    «تعرف على آلامهم الدفينة» 3 أبراج هي الأكثر حزنًا    نجم الزمالك السابق عن فيديو تقديم أحمد شريف: «الجمهور بيحب كدا»    ما حكم اتفاق الزوجين على تأخير الإنجاب؟.. الإفتاء تجيب    انتهك قانون الإعاقة، الحكومة الإسبانية تفتح تحقيقا عاجلا في احتفالية لامين يامال مع الأقزام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات عايدة «3»

خرجنا للتسوق بعد البنك وبعد البيتزا، لم تكن ترغب في العودة لبيتها، وكانت تبدو سعيدة بصحبتي، تؤكد ذلك بلا كلمات، تضع ذراعها في ذراعي وتلتصق بي مثل طائر واهن وأعزل، تسألني رأيي قبل أن تخطو داخل المحل وتنتظر أن تنهي السيجارة قبل دخوله حفاظاً علي المظاهر، تتعب من اللف وتطلب أن نجلس في أقرب مقهي وتلح في محاسبة الجرسون من مالها.. ثم تسترجع نشاطها وتعود للمشي، تدخل المحل وراء المحل، تشتري أشياء لا تحتاج إليها، وتفرح بالنظر داخل الأكياس من وقت لآخر.
دخل علينا العصر، وزوجي يلح علي الهاتف أن أعود إلي البيت وعايدة تلح أن ندخل محلا آخر، للمرة الأخيرة. وأنا في دوامة اللف أشعر بالتراخي المصحوب بتعب التسوق، أحمل كيسًا وأفرح بمحتوياته كأني عايدة. أنسي أنها في أزمة، أنسي كيف بدأ اليوم بحدوتة الحمل وحاجتها لمصاريف الإجهاض، أتذكر أن ما أنفقته اليوم أنفقته من مال العملية الذي اقترضته مني وبددت نصفه، وأنها لا ترد مالاً استدانته أبدا، لأنها ببساطة لا تستدين، هي فقط تأخذ وتعطي، في الحقيقة تأخذ أكثر مما تعطي، والتبرير الواضح في ذهنها هو أن الاستدانة نوع من الغباء. تقصيها من قاموس التعاملات بين الأصحاب، وترد الدين بطرق أخري كثيرة ليس من بينها حسبة الفلوس.
كلانا تحتقر المال علي طريقتها، وكلانا لا تكف عن التفكير فيه لأسباب مختلفة. عندما تحتاجه عايدة، تأخذه، تحصل عليه، عندما أحتاجه، أحاول الاستغناء عنه، وأفضل لو استطعت العمل في مقابل الحصول عليه. لا أدري أينا تحمل عقدة المال أعمق من الأخري، أعرف فقط أني لا أطيق أن يطلبه أحد ولا أمنحه إياه، وأن كرامتي تمنعني عن طلبه أو المطالبة به. أقول لنفسي إني أعمل كي لا أحتاج إليه، وتقول عايدة إني أحتاج إليه لأعمل. تسألني إن كان زوجي يعتبرني مسئولة منه ماليا، وعندما أجيب بالإيجاب تردد "خلاص... ريلاكس".
كانت عايدة أثناء شرودي قد اختفت وراء تل من الملايات والستائر الموضوعة في أكياس من البلاستيك السميك، قامتها القصيرة لا يظهر منها سوي شعرها الهائش. كانت تبتعد عني، وكان علي أن أخترق المحل لألحق بها، عيناي معلقتان بما يظهر منها كلما تقدمت صوبها. أري جزءا من شعرها تارة، جزءا من كتفها وذراعها تارة أخري، تظهر وتختفي وسط أكوام البضائع والممرات وفجوات الأرفف وكأنها تبحث عن شيء ولا تجده. لفت انتباهي نوع من ستائر الحمام مصنوع من الدانتيل فتوقفت أمامه برهة في نفس الوقت الذي توقفت فيه عايدة عند زاوية قسم الأدوات المنزلية في عمق المحل. لم ترني لكني كنت أراها من بعيد. لفتت نظري بحركتها الهادئة، جسدها المشدود، وقفتها المفاجئة أمام قفص كبير من المعدن يحتوي علي بضائع مخفضة. استندت إليه بكلتا يديها، ثم انحنت كأنها تتفحص شيئا داخل القفص، أخرجت منه علبة صغيرة تشبه علبة صابون الحمام ووضعتها بسرعة في حقيبة يدها ثم ابتعدت عن القفص بخطي بطيئة.
لم يرها أحد غيري. كانت وحدها، وحدها تماما، وصوت بداخلها يعلن انتصاره علي غباء العالم. كيف لم أنتبه لهذا الصوت من قبل؟ كل ما ضاع مني منذ سنوات، الأشياء التي اختفت بلا تفسير، المعروف منها والمنسي، ما اتهمنا الخادم بسرقته وما اتهمنا أنفسنا بتضييعه، الخاتم الذهبي ذو الفصوص الحمراء، الطقاطيق الفضة الموضوعة علي الباهو في الصالون، النقود التي اختفت من درج الكمودينو، الأفلام والكتب وأشرطة الموسيقي والمناشف الصغيرة وزجاجات العطر وأمشاط الشعر الملونة والملاعق المصنوعة من الفضة والتماثيل الخزفية التي يوزعونها في الأفراح والسبوع وأدوات الزينة وألعاب الأطفال. كل شيء وأي شيء، ضاع منا لأننا أغبياء، لأننا لم ننتبه. لوهلة تصورت أني لا أعرف عايدة، لوهلة تصورت أنها ليست صاحبتي، مجرد شخص غريب اعترض طريقي واختفي. اختفي وراء ركام من الأشياء الضائعة.
لحقت بها عند باب المحل، فكرت لو صفرت الصفارة ستكون الفضيحة، لكن عايدة خطت خارج المحل بلا خطيئة، بلا تردد، وتبعتها وأنا أشك فيما رأته عيناي. سألتها عما اشترته وقالت "حاجات للبيت". فتحت الكيس وظهرت في قاعه حلة تيفال ومفرش سفرة ملون. زاد الحمل كيسا آخر، وضعت الأكياس الصغير منها داخل الكبير واستوقفت تاكسي وتركتني فجأة علي وعد بمكالمة تليفونية، غدا أو بعد غد. بدا وكأن النهار انتهي هكذا بالنسبة لعايدة، وأن الليل قد بدأ في السادسة بعد الظهر. تركتها تمضي دون محاسبة، دون سؤال. تركتها تتمادي في كذبة الحمل والاجهاض حتي نهايتها. وبدأت في مراقبتها بعين مختلفة، بانبهار وشوق لمعرفتها، كأنها قد تحولت لشخصية في رواية. لم تعد صديقتي لأني لم أعد أصدقها.
ذهبت لزيارتها في صباح اليوم التالي. وضعت أصبعي علي جرس الباب ولم أتركه حتي فتحت. كانت تعرف بهذه الطريقة أن الطارق واحد من الأصحاب فلا تحتاط في الملابس أو في الزينة. فتحت الباب وجرجرت قدميها إلي الداخل لتقع مثل كيس القطن علي أقرب كرسي. كانت المائدة مغطاة بالمفرش الجديد والأكياس التي اشترتها بالأمس علي حالها، لم تفتحها بعد. علبة الصابون التي رأيتها تضعها في حقيبتها لم تكن علبة صابون، كانت علبة شمع تحتوي علي أربع شمعات حمراء علي هيئة قلوب تفصل بينها شرائح من البلاستيك المقوي. قالت خذيها، لا أحتاجها. التفت إليها وابتسمت، قلت سأصنع كوبين من الشاي.
عدت أحمل صينية الشاي وشرائح توست بالزبد ومربي البرتقال. انتقلنا إلي الشرفة المطلة علي حديقة البيت الخلفية. شربنا الشاي وتحدثنا قليلا. دخنت عايدة سيجارة ثم سيجارة أخري. لم تسألني عن سبب الزيارة وتركتني بعد قليل لتأخذ «دوش». في هذا اليوم، بدأت رحلة البحث في شقة عايدة عن كل ما ضاع مني علي مدار سنوات صداقتنا العشر. ولا أدري كيف حدث ذلك ولا كيف واتتني الجرأة، لكن البحث مثل كل بحث أفضي بعد قليل إلي السرقة. سرقة كراس يوميات عايدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.