يمثل الكاتب المسرحي الكبير نعمان عاشور، الذي فقدته الثقافة المصرية في الخامس من أبريل سنة 1987، علامة بارزة في تاريخ المسرح المصري، فقد استطاع مع أبناء جيله الناضج، الفريد فرج وسعد الدين وهبة ويوسف إدريس وميخائيل رومان ولطفي الخولي، أن يقفزوا بالحركة المسرحية إلي مرحلة جديدة غير مسبوقة، في النصف الثاني من الخمسينيات، وطوال حقبة الستينيات. نجح الرائد العظيم توفيق الحكيم في تأسيس المسرح المصري الحديث، لكن أعماله الشامخة المتقنة لم تكن تقترب بشكل صريح مباشر من قضايا الواقع الاجتماعي وتفاعلاته، أما نعمان ورفاقه فقد اقتحموا الساحة باحثين عن التفاعل والاحتكاك والتواصل، مسلحين بقيم ومفاهيم جديدة، تجذب العاديين من الناس، الذين يجدون حياتهم اليومية فوق الخشبة، ويرصدون الهموم والأحلام وكل ما يصادفهم من قضايا وأزمات وتطلعات. في «الناس اللي تحت» و«الناس اللي فوق» و«عيلة الدوغري»،وصولاً إلي «برج المدابغ» و«وبشير التقدم»، كان نعمان عاشور متألقاً عبر كتابة مسرحية خفيفة الظل، عميقة الرؤية، بالغة الصدق في التعبير عن الطبقة الوسطي، والتحولات التي يمر بها المجتمع المصري بعد ثورة يوليو. نعمان من علامات وأعلام المسرح الجاد المحترم الملتزم، ومع الاعتراف بأهمية كتاباته القصصية والصحفية، فإن إبداعه المسرحي هو الأعظم من حيث القيمة والتأثير، عاش الرجل سنوات الازدهار والصعود، ثم عايش، ما اسفرت عنه هزيمة 1967 من تغيير جذري في المسار، وعاصر الانهيار والسقوط الذي تحول معه المسرح إلي سلعة سوقية وضيعة، تخلو من الرسالة والفن، وتعتمد علي الإثارة والإضحاك الرخيص المبتذل. أزمة المسرح في مصر حقيقة لا جدال حولها، والذين يتشبثون بالمسرح المحترم يواجهون منافسةضارية، جناحها الأول ممثل في ابتذال وتفاهة المسرح التجاري، وجناحها الثاني يتجسد في عشرات الفضائيات التي لا تتوقف عن البث والعبث، ولا تترك لمتابعيها فرصة التقاط الأنفاس والاستمتاع بالمحترم الجاد من الفنون. الدعاء بالرحمة لنعمان عاشور، وللمسرح المصري أيضاً!