عن سلسلة "كتابات نقدية" بالهيئة العامة لقصور الثقافة، صدر كتاب "بحثا عن الشعر" للناقد والشاعر رفعت سلام، الكتاب مجموعة من الكتابات والدراسات النقدية التي نشرت للكاتب في الدوريات والصحف المصرية والعربية علي مدي 30 عاما، يحتفي بقصيدة النثر التي ظهرت منتصف الأربعينيات، وهو في مجمله رصد لتطور الحركة الثقافية،الشعرية المصرية والعربية، عقب الحرب العالمية الثانية. يبدأ الفصل الأول تحت عنوان "أحجار" وفيه يرصد الكاتب التيارات السياسية والثقافية التي شكلت الوجدان المصري، ويعتبر الكاتب إن ديوان شعر النثر "بلوتولاند" للدكتور لويس عوض "1947" بلورة لمرحلة فوران عارمة أدت إلي ظهور تيارات وحركات أدبية وسياسية، أعلن ظهور الديوان، موت الشعر العربي العمودي إلي الأبد بموت أحمد شوقي، بل أكد أنه لم يولد في مصر أصلا بدليل عدم إنجابها شاعر واحد له خطره بين القرن السابع عشر والقرن العشرين. "بلوتلاند" بحسب الكاتب كان قفزة خارج سياق شعر التفعيلة، وموسيقي الخليل بن أحمد، كما كان تجاوبا مع فكرة "المصرية"، والانتماء للتجريب، ومقاومة لقوانين الجاذبية الثقافية والإبداعية، عبر عنه قائلا: "كان صداميا واستفزازيا كمن يدعو للمبارزة دون أن يكتفي بإظهار السلاح". تحت عنوان: "هكذا تكلم الحيدري"، يرصد رفعت سلام صدي الواقع السياسي والثقافي في العراق بعد الحرب العالمية الثانية، من خلال رؤية نقدية نشرت ضمن كتاب بلند الحيدري، "اغتراب الورد" سنة 1977 وفيها يصف سلام الشاعر العراقي بلند الحيدري بأنه العراف الهارب من برج بابل، قبل لحظة الانهيار، دون أن تذكره الأساطير والتواريخ، "هكذا رأيته للمرة الأولي، كنت أعرفه، ولا أعرفه، نقل إلي الإحساس بوطأة العالم، وفداحته بعبء الزمن ومحنته، لكنه نقل إلي في نفس الوقت الإحساس بالأبدية واللانهاية"، هو الأخفت صوتا بين معاصريه نازك الملائكة والسياب والبياتي، لكنة الأسبق في اكتشاف الشعر. إلا دم جف علي الإسفلت من سنين جف فلن يذكره الجرح ولن تعرفه السكين بلا صياح، بلا جلبة، بلا -ربما- صوت. وفي قراءة في القصيد الفلسطينية المعاصرة، يؤكد الكاتب إن الشعر الفلسطيني مثل حجر عثرة أمام النقد الأدبي، بسبب افتقاده المنهج النقدي الذي يمكن إن يعالجه، كونه فعالية إبداعية نوعية مستقلة، مما أدي إلي معالجته نقديا باعتباره فعالية سياسية، مما أفقد الشعر الفلسطيني فعاليته الإبداعية، ثم يعرض لتجربة الشاعر محمود درويش تحت عنوان "محمود درويش: المنشد الأبدي" الذي بدأ النشر في سنة 1962 بديوان "عصافير بلا أجنحة" ثم تلاه "أوراق الزيتون"، وعنهما أكد الكاتب أنهما لا يعنيان أكثر من إشهار للشاعر، بما يحملان من طابع البدايات التقليدية، وأصداء السابقين، فهما خاليان من أي خصوصية ذات بال، ولأنه محمود درويش ببصيرته الشعرية النافذة فسينقلب علي نفسه، ليصحح مساره الشعري إلي أعلي في "عاشق من فلسطين" و"آخر الليل" إلي أن ينقلب مجددا علي هذه المرحلة في "مديح الظل العالي" الذي يتحول فيه إلي شاعر القبيلة الفلسطينية. ويبحث الكتاب عن الحداثة الشعرية في ليبيا، من خلال جيل من الشعراء الليبيين ظهر في الثمانينيات، منهم: محمد الفقيه صالح وفاطمة محمود وفرج العربي وإدريس بن الطيب، ويستعرض الكتاب لتجربة الشاعر المصري الكبير أمل دنقل، ثم العراقي سعدي يوسف، قبل أن يبدأ رصد مرحلة شعراء السبعينيات في مصر تحت عنوان: "الحقائق القديمة". الكتاب يعتبر شهادة شاعر لزمن يمتد من صلاح عبد الصبور إلي أنسي الحاج وعلاء عبد الهادي وعماد فؤاد، تناول، في 541 صفحة من القطع المتوسط، مسألة التجديد وقصيدة النثر المعاصرة، وبعض الظواهر المتعلقة بالنقد والترجمة.