ارتفاع حصيلة ضحايا حادث تصادم قطارين بالهند ل 15 شخصا.. فيديو    مواعيد مباريات اليوم الاثنين 17 - 6 - 2024 والقنوات الناقلة    ترتيب هدافي الدوري المصري قبل مباريات اليوم الإثنين    فيديو يوثق لحظة إعلان وفاة طيار خلال رحلة من القاهرة للطائف.. كلمات مؤثرة    فيلم ولاد رزق 3 يحقق أعلى إيراد يومي في تاريخ السينما المصرية    أسعار السمك اليوم الاثنين 17-6-2024 في الأسواق.. البلطي ب45 جنيها    أسعار العملات في البنوك اليوم الاثنين 17-6-2024    فرنسا ومبابي في اختبار صعب أمام النمسا في مستهل مشوار يورو 2024    تشكيل الزمالك المتوقع أمام المصري في الدوري    مصادر فلسطينية: القوات الإسرائيلية تقتحم مخيم عقبة جبر في أريحا ومدينة قلقيلية    أخبار مصر: وفاة 4 حجاج مصريين أثناء رمي الجمرات بينهم رئيس محكمة، ممثل مصري يتباهى بعلاقته بإسرائيل، منجم يحدد موعد يوم القيامة    «الأرصاد» تحذر من ظاهرة جوية مفاجئة في طقس اليوم    حدث ليلا: نتنياهو يعيش في رعب.. وارتفاع أعداد قتلى جيش الاحتلال إلى 662    الدولار يسجل 47.75.. أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه اليوم    تفاصيل الحلقة الأولى من الموسم الثاني ل House Of The Dragon    لماذا خالفت هذه الدول توقيت احتفال أول أيام عيد الأضحى 2024؟    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب جنوب البيرو    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. ثاني أيام عيد الأضحى 2024    منافسة إنجليزية شرسة لضم مهاجم إفريقي    «الناتو» يبحث وضع الرؤوس الحربية النووية للحلف في حالة تأهب    مصطفى بكري يكشف سبب تشكيل مصطفى مدبولي للحكومة الجديدة    افتتاح المرحلة «ج» من ممشى النيل بمدينة بنها قريبًا    البيت الريفى.. الحفاظ على التراث بمنتجات ومشغولات أهل النوبة    وفاة الحالة السادسة من حجاج الفيوم بالأراضي المقدسة    «المشاط» ورئيسة بنك التنمية الجديد تزوران مشروعات «اقتصادية قناة السويس»    إيهاب جلال يُعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة إنبي    بعد إثارته للجدل بسبب مشاركته في مسلسل إسرائيلي.. من هو الممثل المصري مايكل إسكندر؟    رامي صبري: «الناس بتقولي مكانك تكون رقم واحد»    دعاء فجر ثاني أيام عيد الأضحى.. صيغ مستحبة رددها في جوف الليل    حكم الشرع في زيارة المقابر يوم العيد.. دار الإفتاء تجيب    دعاء الضيق والحزن: اللهم فرج كربي وهمي، وأزيل كل ضيق عن روحي وجسدي    تقتل الإنسان في 48 ساعة.. رعب بعد انتشار بكتيريا «آكلة للحم»    البيت الأبيض: المبعوث الأمريكي الخاص أموس هوكشتاين يزور إسرائيل اليوم    مدفعية الجيش الإسرائيلي تستهدف بلدة "عيترون" جنوب لبنان    حلو الكلام.. يقول وداع    «زي النهارده».. وفاة إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوى 17 يونيو 1998    يورو 2024 - دي بروين: بلجيكا جاهزة لتحقيق شيء جيد.. وهذه حالتي بعد الإصابة    بسبب انفصاله عن زوجته.. موظف ينهي حياته قفزًا من الطابق الرابع بالجيزة    جثمان داخل «سجادة» في البدرشين يثير الرعب أول أيام عيد الأضحى (القصة الكاملة)    "تهنئة صلاح وظهور لاعبي بيراميدز".. كيف احتفل نجوم الكرة بعيد الأضحى؟    انخفاض أعداد الموقعين على بيان مؤتمر أوكرانيا الختامي ل82 دولة ومنظمة    الكنيسة الكاثوليكية تختتم اليوم الأول من المؤتمر التكويني الإيبارشي الخامس.. صور    عيد الأضحى: لماذا يُضحى بالحيوانات في الدين؟    حظك اليوم برج الجوزاء الاثنين 17-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أجهزة مراقبة نسبة السكر في الدم الجديدة.. ماذا نعرف عنها؟    كيف يمكن التعامل مع موجات الحر المتكررة؟    القافلة الطبية «راعي مصر» تصل القنطرة شرق بالإسماعيلية    لم يتحمل فراق زوجته.. مدير الأبنية التعليمية بالشيخ زايد ينهي حياته (تفاصيل)    العيد تحول لمأتم، مصرع أب ونجله صعقا بالكهرباء ببنى سويف    إيلون ماسك يبدي إعجابه بسيارة شرطة دبي الكهربائية الجديدة    الأنبا ماركوس يدشن كنيسة ويطيب رفات الشهيد أبسخيرون بدمياط    المحامين تزف بشرى سارة لأعضائها بمناسبة عيد الأضحى    وفاة خامس حالة من حجاج الفيوم أثناء طواف الإفاضة    هل يجوز بيع لحوم الأضحية.. الإفتاء توضح    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج جورجيا بتجارة القاهرة    محد لطفي: "ولاد رزق 3" سينما جديدة.. وبتطمئن بالعمل مع طارق العريان| خاص    حصاد أنشطة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في أسبوع    بالسيلفي.. المواطنون يحتفلون بعيد الأضحى عقب الانتهاء من الصلاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عشنا معهم سبعة أيام في البحر روزاليوسف تكشف قراصنة السولار

معلومة صغيرة عن تهريب السولار والمواد البترولية المدعمة من مراكب الصيد المصرية إلي السفن الأجنبية قادت "روزالوسف" إلي خوض مغامرة لكشف من نوع خاص في رحلة استغرقت 7 أيام وسط البحر رصدت خلالها أعمال التهريب من أمام شواطئ «عزبة البرج» في دمياط وبيعها في مياهنا الإقليمية عقب تضييق الخناق علي مراكب الصيد الكبيرة في السويس وبورسعيد، والتي كان يقوم أصحابها باستغلال الكميات الهائلة من الوقود المدعم الذي يحصلون عليه من محطات التمويل المنتشرة في المراسي والموانئ بسعر 1100 جنيه للطن ثم يقومون بنقلها مباشرة إلي السفن الأجنبية عبر ماكينات ضخ في عرض البحر عن طريق شبكة من السماسرة والوسطاء ليحرموا خزانة الدولة من ملايين الدولارات التي تحصلها من هذه المراكب عند تموينها من المحطات المصرية بالسعر العالمي الذي يصل إلي 910 دولارات للطن في الوقت الذي يحصلون فيه علي نفس الطن من قراصنة السولار بمبلغ 510 دولارات فقط.
أما عن ألفارق بين السعرين وأين يذهب وطرق التهريب ودهاليز السماسرة والمهربين.. كانت رحلتنا الطويلة في البحر غير المعتاد علي ركوبه بين موانئ السويس وبورسعيد وشواطئ عزبة البرج .. تعايشنا خلالها مع الصيادين والمهربين والسماسرة لتتحول إلي مغامرة لرصد هذه العمليات. من السويس بدأت رحلتنا بسيارة في طريقنا إلي الميناء وأعيننا تراقب ما يتم علي الشواطئ وما يحدث داخل البحر.. وجدنا الأمور تسير علي طبيعتها عكس ما سمعناه من بعض الصيادين حول تواصل عمليات التهريب علي قدم وساق.
إلا أن أعيننا لم تصدق ما شاهدته وأردنا أن نقترب أكثر وأكثر من نطاق عمل القراصنة.. وصلنا إلي كافيتريا الميناء المتاخمة لسور استاد السويس الجديد والتي تعد المقر الاول لسماسرة السولار أو "غرفة العمليات" كما يسميها الصيادون.
هنا تبدأ عملية التنسيق بين أصحاب المراكب وربان السفن الأجنبية عن طريق حلقة الوصل التي يجسدها دائماً أصحاب التوكيلات الملاحية الخاصة الذين يتفقون علي سعر برميل السولار وطرق خروجه من الموانئ والمكان والزمان اللذين تتم فيهما العملية عند خط طول وعرض معين داخل مياه البحر يحدده جهاز "الستالايت" الموجود في كابينة جميع المراكب والسفن.
تركنا آذاننا لتسمع مايقوله نزلاء الكافيتريا لنجد حالة من الاستياء تعلو وجوههم وترفع أصوات حديثهم بسبب تضييق إدارة الميناء عليهم بعد تمكنها من الايقاع ب33 مركب صيد 20 منها شهدت عمليات توسعة في تانكات الوقود أما اطقم ال13 مركبًا الباقين فضبطوا متلبسين بالتهريب عندما تم فحصها لتقدير مخزون السولار في "تنكاتها" اثناء عودتهم من الرحلة ليفاجأ أفراد إدارة التفتيش بعدم وجود "نقطة سولار " فيها في الوقت الذي يفترض فيه أن يكون بها من 100 إلي 200 برميل.. ليتم التحفظ عليها ويطلق سراح اطقم بحارتها بكفالة وصلت إلي 5 آلاف جنيه بعد استدعاء ملاكها من عزبة البرج للمثول أمام النيابة.
وعلمنا أن هذه الواقعة فتحت ملف عمليات التهريب في الميناء لتبدأ ادارته في تقنين اجراءات التمويل والتراخيص عن طريق خضوع جميع المراكب للتفتيش البحري لتحديد سعة التانكات بكل مركب طبقاً لقدرة محركاتها وحجمها وكذلك مراجعة مساحة الثلاجات بالمراكب بعد أن كثر الحديث عن قيام أصحابها باستئثار جزء منها لتحويلها إلي "تانكات" اضافية تستوعب كميات اكبر من السولار لتهريبها.
عدنا لنلتفت إلي جوارنا ونجد صاحب مركب يضرب كفاً علي كف دون أن يشعر بأن أحدًا بجواره ويتساءل: "منين هجيب الفلوس الكتير اللي كنت بأخدها في دقائق من التهريب" ؟ لينظر أحد زملائه اليه قائلاً في تهكم "مفيش أحسن من الحلال"!!
اقتربنا من الاخير لنلتقط معه اطراف الحديث حول زميله المكلوم بعد أن أبدينا استياءنا من حاله.. لنفتح معاً قضية التهريب ويقول في تلقائية: أنا بعيد عن كل ذلك لأنني اقسمت منذ بداية عملي في البحر علي ألا أقترب من "الحرام" أما بعض الصيادين ضعاف النفوس فقد تخصصوا في عمليات التهريب منذ عدة أعوام فقام بعضهم بعد أن أغواهم السماسرة بترك الصيد والتفرغ لتهريب السولار في ظل مكاسبه الطائلة.
وأوضح: في البداية: كان صاحب المركب الذي يصل قوة محركه إلي 140 حصاناً وتستغرق رحلته 20 يوماً يحصل علي 50 برميلاً بواقع 10 أطنان بمبلغ يصل إلي 11 ألف جنيه ويقوم باستغلال نحو 20 برميلاً خلال فترة الرحلة ويوفر ال 30 الآخرين الذين يمثلون 6 اطنان بسعر 6600 جنيه ليبيعها للسفن الأجنبية بمبلغ 3 آلاف و60 دولاراً اي 16 ألفاً و 830 جنيهاً ليصل صافي ربحه إلي 10 آلاف جنيه دون عناء!
أضاف: عندما زاد جشع أصحاب المراكب ورغبتهم في الحصول علي مال أكثر قاموا بتحويل ثلاجات الاسماك إلي خزانات سرية لإخفاء السولار المهرب وتمكنوا بمعاونة السماسرة من الحصول علي كميات إضافية لملء التنكات من بعض محطات التمويل التي يمتلكها أصحاب نفوس أضعف تنتشر في "بورتوفيق" و"الاتكه" وهم الأشهر في التساهل بكميات السولار.. لتسعة مراكبهم لأكثر من 80 طناً تصل حصيلة بيعها إلي 40.8 ألف دولار.
الغريب أن الرجل قال ما سلف دون أن يسألنا عن هويتنا واكتفي بمعرفة اسمائنا إلا اننا اصطحبناه إلي خارج الكافيتريا بدعوي ارشادنا عن طريق نسلكه للعودة إلي بورسعيد.. وعندها افصحنا عن هويتنا ومهنتنا.. فانزعج طالباً عدم ذكر اسمه فسألناه عن طريقة تقسيم حصيلة التهريب لينادي علي احد زملائه ليصطحبنا إلي الطريق ويروي لنا خلال الرحلة كيفية توزيع هذه الحصيلة..
رحب مرافقنا خاصة بعد أن علم هويتنا مبدياً استياءه من هذه العمليات التي تعود اثرها علي الصيادين الشرفاء قبل أصحاب النفوس الضعيفة في ظل تشديد إدارة الموانئ خلال الآونة الأخيرة علي الجميع.
وعلي الرغم من ترحاب الرجل إلا انه بدا متوتراً في بداية الأمر حتي اكدنا له اننا لن نذكر اسمه في تحقيقنا فبدأ حديثه قائلاً: المبالغ الطائلة التي يحصلها أصحاب المراكب من عمليات التهريب لا يستفيدون بها وحدهم بل يحصلون علي جزء قليل منها.
اضاف: لا اعرف كيف احسبها بالدولار لكن أصحاب المراكب يحصلون علي البرميل بسعر 220 جنيها ويباع للسفن بمبلغ 560 جنيهاً بفارق 340 يحصلون علي 100 جنيه منها وتخصص 200 للسماسرة اما الاربعون جنيهاً الباقية فيحصل عليها باقي " الرجالة اللي بتظبط الورق"! وعندما سألناه عن هؤلاء "الرجالة" قال: "لا تسألوني.. عندي عيال عاوز اربيها"!!.. وهنا كنا قد وصلنا إلي "المثلث" نقطة البداية في طريق السويس - بورسعيد لنودع الرجل بعد أن أخذ منا وعداً بعدم الإفصاح عن اسمه خوفاً من بطش المهربين وحصلنا منه علي مجموعة صور كانت علي هاتفه المحمول لعمليات تهريب مباشر في عرض البحر.
وانطلقنا عائدين إلي بورسعيد لنصل إلي ميناء محمد الفقي.. وجدنا الوضع لا يختلف كثيراً عما شاهدناه بميناء السويس في ظل اتباع ادارته لذات الإجراءات المشددة التي ساهمت في احكام السيطرة علي قراصنة السولار الذين استفحلوا خلال السنوات الماضية ولم يقصروا عمليات التهريب علي مراكب الصيد بل اتجهوا إلي إخراجه من الموانئ في حاويات ضخمة تدخل إلي الارصفة علي انها حاويات فارغة يعاد شحنها بعد إفراغ حمولتها ولكنها تحمل بداخلها آلاف البراميل.
إلا أن الصدفة وحدها كانت وراء الكشف عن هذه المافيا عندما ابلغ سكان إحدي المناطق بحي الضواحي عن انتشار رائحة السولار.. لتنتقل أجهزة الأمن وتفاجأ بالحاوية وبداخلها عشرات البراميل التي اصيب احدها بثقب مما ادي إلي تسرب كميات كبيرة منه.
هذه الواقعه كانت وراء ضبط 38 حاوية أخري معدة للتصدير وبداخلها 4877 برميلاً تحتوي علي 974 ألفاً و400 لتر سولار تنتظر التهريب إلي لبنان عبر المافيا ليربح أفرادها 25 ألف جنيه كفروق اسعار عن كل حاوية.
وهذا ما اكده العميد محمود المر رئيس مباحث تموين بورسعيد عندما ذهبنا إلي مكتبه مستفسرين عن الاجراءات التي تم اتخاذها للحد من ظاهرة التهريب.
وأضاف "المر" إن بداية القضاء علي المافيا كانت بتشديد الرقابة علي منافذ الدخول والخروج إلي المحافظة خاصة ان جميع عمليات التهريب كانت تتم بعد تجميع البراميل في الحاويات بعزبة البرج والمطرية في دمياط والدقهلية.
وتركنا "المر" لنلتقي بعصام العليمي رئيس المنطقة الشمالية للثروة السمكية والذي لم ينف قيام بعض المراكب بتهريب السولار إلا انه اكد علي الحد من الظاهرة في ميناء الصيد بعد تشكيل لجنة تضم فنيين من المنطقة وإدارة التفتيش البحري للكشف علي جميع تنكات المراكب وتحديد السعة اللترية لكل مركب علي حسب قوة ماتوره بالاضافة إلي فحص كمية الاسماك خلال عودة المراكب إلي الميناء وخصم حصة السولار الاحتياطي من التمويل الجديد للمركب مما كان له الأثر في تضييق الخناق علي هذه المافيا 0
أما الصيادون فاتفقوا مع ما قاله رئيس المنطقة حول القضاء علي عمليات التهريب إلا انهم لفتوا انظارنا إلي ذات الشاطئ الذي اشار اليه صيادو السويس في عزبة البرج.
فوجهنا دفتنا إلي شاطئ العزبة.. وانطلقنا من بورسعيد في الطريق المتاخم لبحيرة المنزلة لنشاهد علي شاطئها بمنطقة شطا في مدخل دمياط اعدادا كبيرة من المراكب الصغيرة المدعومة بمحركات.. استكملنا رحلتنا لنري اعدادا اكبر من هذه المراكب عند كوبري "الرطمة" لنصل إلي بداية العزبة ونشاهد ابناءها يحملون "جراكن السولار" بحثاً عن نقطة واحدة بمحطات تمويل السيارات وآخرين صدموا عندما علموا من أصحاب هذه المحطات بخلوها من السولار ليتوجهوا إلي محطات المراكب علي شاطئ الميناء.
سرنا خلفهم حتي وصلنا إلي محطة تمويل "الاتربي" لنلتقي بمديرها "عباس" والذي رفض في البداية التمويل لحاملي الجراكن إلا بعد اظهار تصاريح الحفارات التي يعملون عليها ليتضح لنا أن هذه الشريحة الباحثة عن السولار من عمال الحفر ونتأكد من سلامة الاجراءات التي يتبعها هذا المدير وعدم دخوله في مافيا السوق السوداء.. مما جعلنا نكشف له عن هويتنا وهدفنا الذي اتينا إلي العزبة من اجله.
وسرعان ما وجدنا استجابة من مدير المحطة وجميع العاملين بها لنطلب منه معاونتنا في ايجاد احد أصحاب المراكب الشرفاء ليحملنا معه إلي داخل البحر.. وبالصدفة كان "ابوهبة" يمول مركبه بالسولار فعرض عليه صاحب المحطة الأمر ليصطحبنا إلي المركب في ترحاب شديد وهو يؤكد انه ترك الكثير من الاموال خلفه في اليونان وعاد إلي مصر ليربي أولاده من "الحلال".
وصعدنا إلي المركب لنجد "زيكو" و"خالد" و"محمد" رفاقنا في الرحلة لنبحر من شاطئ العزبة إلي داخل البحر.. وكان المشهد الأول الذي لفت "ابوهبة" انظارنا إليه أحد المراكب الصغيرة التي رأيناها في طريقنا إلي العزبة يسير بسرعة جنونية ليرسي بجوار احد مراكب الصيد القابعة في الميناء ويتناول عددا من الجراكن وينطلق بعدها كسرعة البرق.
اندهشنا من هذه السرعة ليجيب "ابوهبة" عن فضولنا قبل أن يخرج السؤال من افواهنا ويقول " ده الحسك" الذي استحدثه المهربون كطريقهةجديدة لتوصيل السولار إلي مراكب الصيد في عرض البحر بعد تضييق الخناق علي أصحابها عند خروجهم أو دخولهم إلي الميناء.
عندها كنا قد وصلنا إلي نقطة حدود العزبة لنشاهد بأعيننا هذه الاجراءات التي بدأت بالكشف عن منسوب السولار في تانكات المركب وتراخيصها ومدة رحلتها.. وانتهت بختم الترخيص بخاتم تصريح الرحلة "الاسود" ليأخذ المركب الذي نستقله في العاشرة صباحاً تأشيرة الخروج إلي عرض البحر في رحلة تستغرق 10 أيام.
تعايشنا خلال الساعات الاولي في المعاناة والمشقة التي يتكبدها البحارة علي المراكب بداية من طريقة عملهم عبر معدات الصيد الثقيلة التي لو غفل عنها احدهم لفقد احد اطرافه وربما فقد حياته بأكملها مثلما اكد لنا "زيكو".
وعدنا لنسأل "ابوهبة" عن "الحسك".. فقال: إن عملية تصنيع هيكله تتم في ورش بالعزبة اما محركه فيصل إلي العزبة عن طريق التهريب من السفن الاجنبية وتتعدي قوته ال170 حصاناً في الوقت الذي لا تصل فيه قوة محرك لنش المراقبة إلي 75 حصاناً مما يجعل هناك صعوبة في اللحاق به من قبل رجال الأمن.
وأضاف إن هذه المراكب الصغيرة تستطيع أن تحمل طنا من السولار إلي مسافة 3 اميال بحرية ثم تعود إلي الشاطئ في 30 دقيقة لتكرر العملية لأكثر من 10 مرات يومياً يتقاضي أصحابها في المرة الواحدة منها 100 جنيه ليقوموا بتجميع ثمنه الذي يصل إلي 45 ألف جنيه خلال 45 يوماً.
وعندها نادي "زيكو" علي "الريس ابوهبة" للبدء في رمي الشباك بعد أن استغرقنا نحو 4 ساعات للوصول إلي نقطة الصيد.. وقمنا نعاون الرجال فطلب منا صاحب المركب أن نعد الطعام إذا اردنا المعاونة لعدم إلمامنا بأعمال الصيد خوفاً من التعامل مع المعدات الثقيلة.
وبدأنا في تجهيز الأرز انتظاراً لخروج السمك من الشباك لأخذ ما يكفي لسد رمق البحارة.. وخلال هذه الفترة لم نجد مجالاً للحديث مع احد.. فالجميع منهمك في عمله إلا أن اعيننا كانت تحاول رصد اي واقعة تهريب داخل البحر.. لنجد حولنا فراغاً وامواجاً تتلاطم بقوة ولم يصل نظرنا إلا لسفينة كبيرة تبعد عنا بعشرات الاميال البحرية.
وبعد ساعتين حل الظلام ليفرغ الجميع من عمله ونجلس حول وجبة الغداء ونتجاذب اطراف الحديث ونحن نتناول "السمك" مستوضحين عن معلومات أخري حول هؤلاء المهربين. فحدثنا محمد زكريا قائلاً: إن أصحاب المراكب قاموا بتحويل المساحة الواقعة بين الماكينة والثلاجة إلي تانكات اضافية تسع 100 برميل..
وتدخل "خالد" موضحاً أن بعضهم لم يتوقفوا عند هذا الحد بل قاموا بعمل تانكات أخري في مقدمة ومؤخرة مراكبهم يزودونها بالسولار من محطات خارجية خصصت للبيع والتهريب بسعر وصل إلي 180 جنيها للبرميل الواحد.
وأضاف: انفض الكثير عن صيد السمك وتفرغوا للتهريب ولذلك ارتفعت اسعار الاسماك في الاسواق وتوقف الكثير من الصناعات المرتبطة بالبحر.
وهنا ارتفعت الأمواج واشتدت سرعة الرياح ليرفع "ابوهبة" صوته معلنا قدوم "النوة" والاضطرار للعودة إلي الشاطئ وانفض الجميع من حول الطعام في سرعة فائقة ولم نجد سوي انفسنا معاً بعد أن ركضوا في كل اتجاه لانجاز مهمة اعتادوا عليها في مثل هذه الظروف. وعند ظهور خيط الصباح في السماء كنا قد وصلنا إلي نقطة الحدود لنبدأ اجراءات التفتيش من جديد والكشف عن منسوب "الجاز" في المركب وكمية الاسماك لتأخذ الاوراق خاتمًا بلون "ازرق" ونعود إلي الميناء.
وتوجه "الريس ابوهبة" مجدداً إلي محطة التمويل لنجد مديرها يقوم بتسجيل بيأنات الرحلة فسألناه عما يدونه.. فقال إن الاجراءات الجديدة بمديرية التموين تقضي بأن يتم تسجيل جميع بيانات المركب بداية من اسم صاحبها ومدة رحلتها بالبحر وحتي كمية "السولار". ودعنا صاحب المركب وبدأنا رحلتنا من جديد ولكن في البر بحثاً عن سراديب القراصنة واماكن تخزين البراميل وطرق نقلها إلي "الحسك".
إلا اننا نظرنا إلي جانب مرسي العزبة فوجدنا "حسك" يرسي بجواره.. تركنا المحطة وانتقلنا اليه سريعاً لتصويره وسط تحذيرات الاهالي الذين يقفون في انتظار "معدية" رأس البر من أن يرانا أصحابه.. التقطنا عدة صور وأردنا أن نجسد دور المهربين.. فقفزنا علي متنه ومسك أحدنا بمحركه وجاء الاخر ب"جركن جاز" كان في مركب صيد صغير تجاور "الحسك" لننقله اليه واعطينا الكاميرا لاحد اهالي العزبة لتصويرنا.
ولم تمض دقيقة واحدة حتي صدقت التوقعات وجاء أصحاب "الحسك" إلي المرسي ليشاهدونا علي متنه.. لنجد نظرات تملأها الخوف تخرج من اعين الاهالي خوفاً من بطش المهربين.. حاولنا انقاذ الموقف عن طريق المزاح معهم وسألناهم: "مش هنعرف ناخد صورة كويسة في بلدكم"؟ وأكدنا لهم اننا جئنا من شاطئ رأس البر المقابل للعزبة لأخذ عدة صور علي متن المراكب.
عندها ظهرت علي وجوه المهربين علامات الاقتناع إلا انهم تساءلوا عن سر حملنا لهذا "الجركن" فابتسمنا وقلنا: "عشان تبقي الصورة واقعيةَ"!.. وعرض علينا احدهم أن يأخذنا في جولة ب"الحسك" إلي داخل المياه.. نظرنا إلي الاهالي ليقولوا لنا في خوف "جربوا".. ليصعد احدنا علي متنه ومعه صاحب العرض ويتبقي الآخر علي البر ليأخذ عدة صور وينتظر مصير زميله وخلفه المالك الثاني لهذا الحسك.
شعر كلانا بالخشية من هذا الموقف.. فالاول علي الحسك وينظر إلي الثاني خوفاً من أن يصيبه من يقف وراءه بمكروه.. ومن يقف علي البر لا يعلم إلي أين سيذهب هذا "الحسك" وعلي متنه زميله!!
إلا انه سرعان ما عاد إلي الشاطئ في سرعة جنونية كادت تتسبب في سقوط الزميل من علي متنه.. نظرنا إلي بعضنا ولسان حالنا يقول "الحمد لله" وتصافحنا مع المهربين وسرنا في طريقنا إلي مقهي الصيادين بالعزبة لنلتقي بمالكه "عم محمود" ونعلمه بهويتنا ونفتح معه قضية التهريب بحثاً عن خيط جديد يوصلنا إلي اوكار القراصنة.
فقال "محمود": تركت الصيد حرفة آبائي واتجهت إلي بيع الشاي والقهوة مثلما فعل الكثير من أبناء العزبة لان أصحاب المراكب لم يعودوا في حاجة إلي أكثر من اثنين أو ثلاثة عمال علي المركب كمعاونين في التهريب وحتي تتم العمليات في سرية.
والتقط السيد يوسف "من صناع حبال الصيد" اطراف الحديث قائلا: حسبي الله ونعم الوكيل لقد عم علينا الخراب ووقف الحال لاتجاه المراكب إلي التهريب وعدم حاجتهم إلي الحبال.
وأكمل أحمد خالد: إن اثار التهريب امتدت إلي صناع الثلج فبعد أن كان المركب الواحد يأخذ في الرحلة من 500 إلي 700 بلاطة ثلج اصبح لا يزيد علي 100 بلاطة ك"تمويه" حتي لا يلاحظ احد أن ملاكها غيروا نشاطهم من الصيد إلي التهريب بعد أن حولوا الثلاجات إلي تانكات سرية.
وعندها خرجنا من المقهي باحثين عن نقطة بداية رحلتنا في البر.. فتوقفنا عند محطة تمويل السيارات التي رصدناها خالية من السولار عند دخول العزبة.
وسألنا مديرها عبدالكريم محمد عن سبب عدم وجود "سولار" في المحطة فقال بصوت ملأه الاستياء: "لم أر السولار منذ أربعة أيام.. ثم رفع صوته قائلاً: "كفاية المهربين يشتغلوا وأصحاب المحطات يتفرجوا"!!
وأضاف: انظروا إلي هذه الجراكن التي يسع الواحد منها 60 لتراً يملؤها المهربون من المحطات ويوصلونها إلي المراكب.. موضحاً أن تلك الجراكن ضبطت في حسك كان يحمل 14 جركناً منها وطالبته النيابة ببيعها وايداع قيمتها في المحكمة.
وأشار "عبدالكريم" إلي أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل وصل إلي تخصيص سيارات نقل تحمل خزانات كبيرة بسعة 1000 لتر تقوم بنقل السولار إلي مخازن سرية لتفرغ في الجراكن حتي يستطيع الحسك نقلها في ظلمة الليل وحتي شروق الشمس إلي المراكب.
حينها كان الحماس قد اخذ صاحب المحطة وانتفض طالباً منا التوجه معه لكي نشاهد أوكار التخزين والتهريب وتلك السيارات التي باتت معلومة للجميع في العزبة.
وبدأنا التحرك بسيارتنا حتي وقفنا أمام محطة تمويل علي الميناء تديرها اكبر عائلات العزبة وتعد المصدر الاول لتمويل هذه السيارات التي رصدنا احدها خلال سيرها بالشارع الرئيسي. ثم انطلقنا لنصل إلي نهاية العزبة ومنها شرقاً إلي طريق بحيرة المنزلة مروراً بقنال الصفارة الذي يعد اكبر وكر لعمليات مد الحسك بجراكن "الوقود" خاصة أنه الطريق السري الذي يصل المهربين بالبحر بعيداً عن المنافذ الشرعية.
وعدنا لنتجه جنوباً لنرصد سيارة أخري تعمل في تجميع السولار.. فدفعنا فضولنا لالتقاط صور لها ولكن "عبدالكريم" حذرنا من بطش أصحابها والذي يصل إلي حد إطلاق النار علي كل من يقترب منها.. صعدنا إلي السيارة لنجد الجراكن الملقاة في صندوقها وكمية السولار الكبيرة التي تملأ سطحه.. فالتقطنا عدة صور وسط مطالب مرافقنا لنا بالرجوع وهو يصيح: "هيضربوا عليكوا النار"!
استقللنا سيارتنا من جديد وأكملنا سيرنا جنوباً لنري مخزنًا للسولار محاطاً بكميات كبيرة من البراميل والجراكن والتانكات الكبيرة.. واستمررنا في السير لنصل إلي كوبري "الرطمة" الذي شاهدنا اعدادًا كبيرة من "الحسك" ترسي علي جانبيه ونحن في طريقنا للعزبة.
وأخبرنا "عبدالكريم" أن هذا الكوبري يعد أحد منافذ الهروب للحسك عند مطاردته في الميناء حيث يتجه عبره إلي بحيرة المنزلة ومنها إلي قنال الصفارة ثم البحر.
وتركنا "عبدالكريم" أمام محطته وبدأنا جولة أخري بالعزبة لرصد اسماء العائلات التي تشتهر بعمليات التهريب .. كما تعرفنا علي اسماء أشهر السماسرة وهم "هاني" و"خليل" و"حمد" الذين تخصصوا في تهريب السولار إلي المراكب السورية عبر مراكب صيد ترسي في داخل المياه لتكون نقطة تجميع للكميات التي ينقلها "الحسك".
انتهت جولتنا ونحن علي يقين تام بأن الوضع في العزبة أصبح اشبه بالبركان الذي يتنظر الانفجار بين اللحظة والأخري خاصة ان الاهالي قاموا بتحرير عدة محاضر ضد عائلات القراصنة ومنها المحضران رقم 4350 و272 جنح رأس البر بعد أن فوجئوا بأن "الحسك" اصبح وسيلة أخري لتسهيل الدعارة وتهريب المخدرات وليس السولار فقط.
وفي اتصال بالرائد هشام بركات رئيس مباحث التموين بدمياط أكد أن هناك رقابة صارمة علي محطات تمويل المراكب في عزبة البرج موضحا ًانه تم تحرير 8 محاضر لأشخاص يقومون بتهريب السولار إلي المراكب في المنطقة بالإضافة إلي ضبط 33 جركناً داخل منزل بالعزبة قبل تهريبها.
وأضاف"بركات" انه تم تحرير محاضر رقم 3541 و38315 و4489 و9316 لسنة 2009 جنح مركز دمياط لسيارات تم ضبطها وعلي متنها 75 جركن سولار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.