رغم أن إسرائيل قررت ألا ترد بالمثل علي قرار بريطانيا إبعاد دبلوماسي إسرائيلي في لندن، إلا أن أكثر من مسئول إسرائيلي أبدي اندهاشه من القرار البريطاني، مبررا ذلك بأن تزوير جوازات السفر هو أسلوب لا ينفرد به جهاز الموساد الإسرائيلي وحده، بل عمل تقوم به كل أجهزة المخابرات في العالم، والموساد تعلَّمه من جهاز المخابرات البريطاني ذاته! وبغض النظر عن أن هؤلاء المسئولين الإسرائيليين يتجاهلون أن حكومة إسرائيل سبق أن قدمت تعهداً كتابياً لبريطانيا عام 1987 بعدم استخدام عملاء الموساد جوازات سفر بريطانية مزورة، فإن هؤلاء المسئولين يتجاهلون ما هو أهم.. وهو أن أجهزة المخابرات في العالم لا تعتمد القتل أسلوباً أساسياً من أساليب عملها مثلما يفعل الموساد منذ أن تم انشاؤه عام 1950، فإن جوازات السفر البريطانية التي زورها الموساد لم تستخدم في عملية استخباراتية لجمع معلومات أو لمراقبة هدف ما، وإنما استخدمت في تنفيذ عملية اغتيال لفلسطيني في دبي، مثلما كانت جوازات السفر البريطانية المزورة التي اكتشفتها السلطات الألمانية عام 1987 بعد أن تركها عميل للموساد في أحد أكشاك التليفون في «بون»، والتي زورت بمعرفة الموساد وخرجت من السفارة الإسرائيلية في ألمانيا، فقد كانت معدة ليستخدمها عملاء الموساد في قتل قائد القوة 17 بمنظمة التحرير الفلسطينية عبدالرشيد مصطفي. لقد حرص مؤسسو جهاز الموساد وقادته علي أن يضم بين فروعه منذ يومه الأول فرقاً خاصة بالاغتيال والقتل مثل المجموعة (101) والمجموعة (131) والفرقة (100) وأضيف إليها فرقة أخري شكلها قادة الموساد في أوائل السبعينيات من القرن الماضي بعد أن قرروا - بناء علي تعليمات جولدا مائير - الانخراط أكثر في عمليات قتل القادة الفلسطينيين، وسميت هذه الفرقة (غضب الرب)، كما اهتم قادة الموساد منذ وقت مبكر بتدريب الذين ينضمون للعمل به علي استخدام المسدسات والرشاشات والبنادق، وإجادة إطلاق النار، والتفجير عن بعد باستخدام الريموت كنترول، وذلك ضمن برامج تأهيل هؤلاء العملاء. وأضيف إلي هذه الفرق الخاصة أيضا قسم آخر للسموم سعي جهاز الموساد لتطويره واستخدامه في عمليات الاغتيال، كما خططوا ذات مرة لاغتيال جمال عبدالناصر مثلما سعوا لاغتيال خالد مشعل في الأردن. وفي قيادة الموساد خزانة فولاذية يحتفظ رئيس الموساد وحدة بمفتاحين لها، ولدي اثنان من نوابه نسخة من كل مفتاح منهما وبذلك لا تفتح إلا بوجودهما معا. فهذه الخزانة تضم الملف الخاص للأشخاص المستهدف اغتيالهم، ويخرج هذا الملف من الخزانة الفولاذية عندما يتخذ القرار السياسي باغتيال الشخص المستهدف ضمن القائمة، والذي يتخذ القرار عادة هو رئيس الوزراء الإسرائيلي ذاته. وهكذا.. القتل هو أسلوب عمل أساسي لجهاز الموساد منذ نشأته، ولأن عملية القتل تحتاج لعدد ليس قليلاً من العناصر والعملاء وتتم خارج إسرائيل، فإن الموساد يستخدم علي نطاق واسع جوازات السفر المزورة التي يقوم قسم خاص داخله بتزويرها.. بل لعل الاستخدام الأكبر في الموساد لجوازات السفر المزورة هو في عمليات القتل التي تشارك فيها عادة خمس مجموعات تسمي مجموعات الموت، مجموعة تتولي الإدارة والخدمات مثل استئجار الفنادق..وأخري للمراقبة ومتابعة ورصد تحركات الهدف.. وثالثة للانسحاب الآمن في البلد الذي يتم فيه الاغتيال أو التنسيق معه إذا كان ذلك متاحاً.. أما المجموعة الأخيرة فهي التي تتولي عملية القتل.. ولعل هذا هو ما يفسر العدد الكبير الذي اكتشفته سلطات الأمن في دبي للمشاركين في عملية اغتيال المبحوح. لكن القتلة يستنكرون غضب بريطانيا من استخدام جوازات السفر البريطانية المزورة في عمليات القتل التي يديرها الموساد ويعتبرون ذلك أمرا عاديا لا يستحق كل هذه الضجة.. فهل هناك بجاحة وصفاقه أكثر من ذلك؟!