عقدت جمعية النهضة العلمية والثقافية - جزويت القاهرة ندوة بعنوان "كيف تحولت الفجالة قلب العاصمة من مكان للتنوع الثقافي إلي مركز تجاري استهلاكي" حضرها كل من المؤرخ عاصم الدسوقي، والدكتور سمير غريب رئيس جهاز التنسيق الحضاري، وسامي حرك وكيل مؤسسي حزب مصر الأم، والدكتور سهير حواس رئيس الإدارة المركزية للجهاز القومي للتنسيق الحضاري، والدكتورة هالة مكاوي. في البداية أشار سامي حرك إلي أصل اسم "الفجالة" قائلا: تلك المنطقة كانت قديما مركزا لبيع الخضروات وبالذات "الفجل"، ففي زمن القائد جوهر الصقلي كانت كل منطقة تسمي "أرض كذا" فكان هناك أرض البغالة، وأرض الفجالة، وأرض السيالة وهي مناطق مخصصة لممارسة المهن المختلفة كنوع من التنظيم الإداري، وكان بمنطقة الفجالة نشاط موازي للخضار هو توزيع ونشر الكتب، ولما كانت منطقة "الأزهر الشريف" مركزا لتوزيع الكتب الدينية، كانت القاهرة بحاجة لمنطقة موازية للكتب الدنيوية ومن هنا بدأ نشر كتب السير الشعبية، وكتب الديانات والطوائف الأخري، إلا أن شهرة المنطقة لم تتسع بشكل كبير إلا باختراع الطباعة وتعرف مصر عليها في عهد الأسرة العلوية، وفي السنوات الأخيرة بدأ نشاط بيع الأدوات المكتبية يتداخل مع نشاط بيع ونشر وتوزيع الكتب، ثم أصبحت الكتب الدراسية تطغي علي المكتبات وفي السنوات 15 الأخيرة، بدأنا نري نوعا آخر من النشاط يزاحم المكتبات، كبيع قطع الغيار، ومحلات بيع السيراميك والسباكة، ثم بدأنا نري محلات الكتب تغلق أبوابها، وتحول نشاطها، بسبب سطوة رأس المال، لذا أوصي بأن يتم التشديد علي تصريحات المنافذ البعيدة عن نشاطك بيع الكتب، مع تسهيل وتجديد التصاريح لأنشطة بيع وترويج الكتب. المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقي أكد أن ما يحدث في الفجالة الآن تطور طبيعي، في سياق التاريخ المصري، وبكاؤنا علي الماضي انسحاب من الزمن الحالي لمجرد أننا لا نجد أنفسنا فيه، والحق أن البكاء علي الماضي طبيعة عندنا. وأكمل: تضم منطقة الفجالة عددا كبيرا من المكتبات المشهورة منها "مكتبة مصر" التي عرفت بطبعها أعمال نجيب محفوظ، وإلي جوارها العديد من المكتبات ك"قباء" التي توسعت فيما بعد وامتدت فروعها لمناطق أخري، ولكننا بكل أسف نفقد في كل يوم جزء من ذاكرة الزمن. أما الدكتور سمير غريب رئيس جهاز التنسيق الحضاري فقال: لست متفقا مع الدكتور عاصم الدسوقي، في أن ما يحدث حاليا في الفجالة تغير حتمي، وقدر محتوم، فيجب أن يكون هناك سيطرة من الدولة علي حركة المجتمع، فنحن بكل أسف نحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا تراثنا التي لا تتعدي، 20٪ منه، لأن 80٪ من التراث المصري قد دمرت بالفعل. وأكمل: منطقة الفجالة مكان تراثي قارب اليوم عمره علي 200 عام، ومن سوء حظي أن أعمل في جهاز التنسيق الحضاري، لأنه يجعلني بحكم موقعي شاهدا علي تدمير تراث مصر، وقد رأيت بعيني أشخاص أغنياء يدمروا منازلهم الأثرية بأنفسهم، وبأساليب لن أذكرها كي لا يتبعها آخرون، الأدهي أن تأتيني شخصيات ذات حيثية ليتوسطوا عندي كي أخرج منازلهم وممتلكاتهم من لجان حصر المباني المتميزة في المحافظات، وهو التسجيل الذي يتم وفقا للقانون 144 لعام 2004، رغم أنهم ليسوا في حاجة إلي الأموال أو السلطة، وهذا يدهشني، فلو أن كل شخص دمر ممتلكاته ماذا سيبقي في البلد؟ للأسف لم أر بلد في الكون يدمر أهلها تراثهم كما يفعلون المصريون في ممتلكاتهم، فهناك دول ذات تراث أقل وأضعف منا إلا أنها استطاعت المحافظة عليه. أما الدكتورة سهير حواس فأكدت أن سنة الحياة تقتضي أن تذهب أشياء، وتأتي أشياء، والوعي يقتضي منا أن نربطهم معا، لنجعل الماضي يمتد إلي المستقبل.