"أقدم قصة حياتي بنفسي خوفا من تزييفها"!! أعجبتني العبارة السابقة، فلابد أن قائل العبارة رجل يحمل علي كتفيه تاريخا طويلا من السياسة والنضال والكفاح ويخشي علي هذا التاريخ المجيد من العبث به أو تشويهه إذا ما تم تحويله إلي مسلسل درامي أو فيلم سينمائي! لا تذهب بخيالك بعيدا وتظن أن قائل هذه العبارة هو المناضل والسياسي البارز في تاريخ مصر الحديث "خالد محيي الدين" والذي سجل وروي مشواره بالكلمة في مذكراته الصادقة والصادمة "والآن أتكلم"! ولا تظن - من فضلك واحسانك - أن صاحب العبارة السابقة هو الدكتور "أحمد زويل" صاحب جائزة نوبل وقد روي أيضا مذكراته في كتاب مهم. ولا يذهب خيالك بعيدا فتحسب أن قائل العبارة هو المبدع الكبير "بهاء طاهر" صاحب "خالتي صفية والدير" و"أيام الخطوبة" وغيرهما من روائع الكتابة الذي احتفل مؤخرا بعيد ميلاده الخامس والسبعين ولم يكتب سيرته الإنسانية والروائية بعد! ولم يقل هذه العبارة البليغة شعراء في قامة ومكانة عبدالرحمن الأبنودي وأحمد عبدالمعطي حجازي وفاروق شوشة، ولم تخطر علي بال أسماء رحلت عنا لكن بقيت أعمالها تملأ حياتنا بالأمل والسعادة والبهجة والتفاؤل والفرح والفرحة مثل إحسان عبدالقدوس وفتحي غانم ويحيي حقي وعبدالوهاب المسيري وصلاح جاهين ونزار قباني ومحمود درويش وفؤاد حداد ونجيب محفوظ وأم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم حافظ وفؤاد المهندس وسناء جميل وعبدالمنعم مدبولي وعشرات الأسماء الأخري التي تزداد حضورا وتألقا رغم الغياب! لن أدعك تحتار وتخمن وتحزر وتفزر أكثر من ذلك وحتي أريحك من عناء الفكر والتفكير فصاحب العبارة السابقة - وهي أيضا عبارة خالدة - هو المفكر الغنائي والفيلسوف الموسيقي ومؤسس مدرسة غناء اللا معقول "شعبان عبدالرحيم" وشهرته "شعبولا"!! ولقد توقفت طويلا أمام اعترافه التاريخي: أقدم قصة حياتي بنفسي خوفا من تزييفها! أما سياق هذه العبارة فقد جاء ضمن تقرير اخباري كتبه الزميل "محمود مصطفي" في الزميلة "الشروق" "الأحد 14 مارس" ويقول التقرير: "يقوم حاليا المطرب شعبان عبدالرحيم بالتحضير لفيلمه الجديد الذي يتناول قصة حياته ويلقي الضوء علي المعاناة التي عاشها طوال مشواره الفني والعملي إلي أن أصبح مطربا مشهورا خاصة بعد أن عمل أغنية "أنا بكره إسرائيل" التي تسببت في شهرته، كما يتناول الفيلم أيضا الوعكة الصحية التي مر بها والتي تسببت في دخوله المستشفي واتهامه بتعاطي المخدرات، وقد اتفق مع المؤلف "إسلام خليل" علي تأجيل تصوير الفيلم وذلك لشعوره بأنه لابد وأن ينتظر الوقت المناسب ليبدأ في تصويره، وحتي يحتوي الفيلم علي المزيد من الأحداث التي من الممكن أن تحدث في حياته، وأكد أن "إسلام" انتهي من كتابة جزء كبير من الفيلم، ومازال يكتب كل ما يرويه عليه شعبان من أحداث، ومن المقرر أن يتم التصوير في الأماكن التي عاش فيها "شعبان" ومنها الشرابية وبهتيم وميت حلفا. ثم يمضي التقرير الإخباري المثير إلي تفاصيل مهمة جدا حيث أشار "شعبولا" إلي أن عمله لفيلم يحكي عن قصة حياته تعد فكرته وأنه فضل عمل هذا الفيلم الذي يتناول مشواره بنفسه خوفا من أن يتم عمله مستقبلا بشكل يسيء له وأيضا ليس به مصداقية وبه الكثير من تزييف الحقائق علي حد قوله! وعن أبطال الفيلم المشاركين معه أكد أنه اتفق مع الفنانة التونسية "هند صبري" والفنان "صلاح عبدالله" علي الاشتراك معه في الفيلم وأنه رشح المخرجين سعيد حامد وداود عبدالسيد لإخراج الفيلم غير أنه لم ينه الاتفاق مع أحدهما بعد. وبعد معرفة تلك التفاصيل التي نشرتها "الشروق" لا أملك إلا تحية "شعبولا" واخلاصه واحترامه لقصة حياته ومشواره الفني حتي إنه يخشي من العبث بهذا التاريخ أو تشويهه وتزييفه ويكفي التشويه والعبث الذي لحق بتاريخ مصر الحديث من تشويه وعبث! ولابد أن شعبان عبدالرحيم سواء كان مواطنا بسيطا أو مفكر غنائيا أو فيلسوفا موسيقيا قد تابع وقرأ وسمع عن عشرات الاحتجاجات والاعتراضات التي صدرت عن ورثة المشاهير عندما تحولت سيرة حياتهم إلي أفلام ومسلسلات، عشرات الأعمال الفنية عن مشاهير الفكر والسياسة والفن هوجمت لهذا السبب من الورثة مثل أم كلثوم وقاسم أمين وناصر 56 وأيام السادات وليلي مراد وإسماعيل يس والعندليب وأخيرا معركة فيلم "الرئيس والمشير"! فرق كبير أن يكتب "شعبولا" قصة حياته ويرويها بنفسه ويوافق علي كل تفصيلاتها المهمة وغير المهمة، وفرق أكبر وأخطر أن يتولي كتابتها كاتب له رؤية سياسية وفكرية لا تتفق مع توجهات شعبولا الشعبوية وربما كان شعبولا يخشي أن تتحول قصة حياته الحافلة إلي منشور سينمائي تخاصمه الجماهير ولا يصلح إلا للعرض في مهرجانات كان وكارلوفيفاري وقرطاج والإسكندرية! طموح "شعبولا" - وهو طموح مشروع ومقبول سينمائيا وفكريا - أن يقدم عملا سينمائيا رفيع المستوي يجمع ما بين الاصالة والمعاصرة والتقليدية والحداثة!! والواقعية الاشتراكية والرأسمالية الرومانسية والليبرالية السينمائية والحرية الغنائية! لابد أن أعترف أن الموسيقي والغناء قبل "شعبولا" شيء وبعده شيء آخر تماما! فعلا حاجة تانية خالص.. و.. واييه إييه إييه!! وبس خلاص!!