بعد أن فتح الله عليه وترك عربة الفول مفتتحا دكانة صغيرة يبيع فيها الفول والطعمية، علق عم شحتة علي باب شقته المتواضعة لافتة تقول: فلان.. تاجر.. وبعد أن فتح المولي عليه أكثر ضمن مولد العولمة وسيرك الانفتاح تحولت اللافتة إلي: فلان.. رجل أعمال، والحمد لله الذي لا يحمد علي مكروه سواه، حيث إن الأزمة العالمية الأخيرة منعت المعلم شحتة من إضافة صفة ولقب جديدين إلي تلك الصفيحة التي تزين باب مسكنه الجديد.. هذا مع أن الأزمة المذكورة لم تؤثر ماديا علي أمثال شحتة.. لأنهم دوما فوق المجتمع والقانون. إذن يا حضرات.. الكل رجال أعمال.. الكل يحمل كروتا وبطاقات وأرقامًا قومية تؤكد أن حاملها من علية القوم وأنه مبعوث العناية الاقتصادية لصالح الغلابة في مصر، والكل يتكلم عن التصدير بالعملة الصعبة جدا، كما أنه يقوم بمحاربة البطالة عن طريق تشغيل عشرات الخريجين (ويعطيهم مرتبات كمان!)، بالإضافة إلي تلك الأعمال الخيرية العديدة والتبرعات الجليلة التي يخص بها مستشفي الأطفال والكبار ومحو الأمية في عزبة الهجانة والدويقة والعمرانية وغيط العنب وامبروزو، ولا يعلن عنها بالمرة إلا في الجرائد والفضائيات فقط. إذن يا سادة.. ما أكثر رجال الأعمال في مصر حتي إن كان بعضهم يقع تحت فئة: رجال الأعمال السودة أو رجال أعمال الزمن الرديء، من اللهف والفساد في دولة مثقلة بالديون، ولا إنتاج هناك ولا تصدير ولا يحزنون. إذن يا إخوان.. مصر أم الدنيا، وعلي رأي الإعلان: القطنة مابتكدبش، أو: فيه صابونة وفيه صابونة، مالنا والأستاذ بيل جيتس الذي تبرع بنصف ملياراته للمجتمع، مالنا وعشرات في أمريكا وأوروبا، ثم في اليابان وماليزيا يتنازلون بكل طواعية وحب عن نصف ثرواتهم لإخوانهم في الوطن.. وهم مصدر الثروة الفعلي والأصلي لرجل الأعمال (الحقيقي هنا)، وكأن الواحد منهم يرد دينا أو يسدد قرضا بفوائد مضاعفة، بعد سداد الضرائب وأكثر، هناك من يوفر منحا دراسية جامعية للمئات، أو من يصرف علي أبحاث تفيد البشر أو من يشيد مستشفي أو ملجأ أو من يبني مساكن للبسطاء أو من يحتضن موهوبا أو عالمًا، أي من يخدم الإنسان في كل مكان بغض النظر عن الدين أو اللون.. وهكذا.. هناك فرق. في أم الدنيا تختلف الأوضاع.. وعم شحتة ركب المرشيدش ورفع الأسعار ونزل بمستوي الخدمة والفصل علي الأصل بكل تعالي بعد أن تحور إلي المسمي الجديد، الذي حمله معه سايس جراج في الإبراهيمية بالإسكندرية كنت أتعامل معه (مع البقشيش) قبل أن يصبح رجل أعمال.. والأمثلة عديدة. هكذا.. عندنا قفزات كانجارو استرالي تتضاعف معها أعداد الرجال المذكورين يوميا وربما 3 مرات قبل اللهف وبعده.. وانظر حولك.. حيث وصل العمل إلي كل المجالات.. نجار بسيط يطلع علينا في التليفزيون معلنا بكل ثقة: نحن العمبري، طبيب مبتدئ في عيادة متر في متر يكتب مركز القلب، خريج حقوق كفر الشيخ يطبع: فلان المستشار، سمسار شقق مفروشة يردد: خبير عقاري، ولا أنسي ذلك الذي دوّن علي فاترينة هزيلة يجلس تحتها: إخصائي معالجة أردية القدم (كلام كبير) وهو جزمجي غلبان.. لكنها -قلنا أم الدنيا- نحن العمبري، تيمنا بالأخ فاروق الأول ملك مصر والسودان. تذكرت ذلك كله وأنا أتابع حلقة حديثه (وليست أخيرة) من مسلسل رجال أعمال الألفية الثالثة، وهي حكاية لطيفة لم تعد تثير انتباه أو تعجب أحد.. فالقصة واحدة.. ملياردير الصدفة أو الطفرة (رحم الله الأخ تشارلز داروين، والراهب تيودور مندل ولا عزاء لأي انتقاء طيبعي أو تطور شاذ) الرجل العملي (من العمل) يحب الفرفشة ويميل للدلال ويهوي المطلقات ويدمن الفنانات (درجة رابعة) وكله استثمار وتسهيلات.. والحدوتة تقول إن أحدهم تزوج سرا (كالعادة) بواحدة من نجمات نفس الزمن، وغمرها بالهدايا عبر مسيرة عشق يعود بك لأيام الحب الأول ومراهقة العمر حيث العصافير والورود والنسيم الرقيق والمشاعر الحالمة وأغاني حليم والساهر وفيروز وسيلين ديون، وحيث القمر وقصائد الغرام الخالدة.. ودام الزواج عدة أيام وربما أسابيع (كالعادة أيضًا) ثم حدث خلاف بسيط علي مبلغ تافه.. مجرد كذا مليون جنيه، قيل خمسون وفي قول آخر سبعون وفي ثالث مائة وعشرون تطور الخلاف وتحول إلي العلن ضمن اتهامات بالنصب والسرقة والتحرش المالي، وزكائب الفلوس وشنط المجوهرات، مع إنكار العلاقة والزواج وتأكيد كل طرف علي طمع وخطيئة الآخر وادعاء كل واحد بأنه بريء وأصيل ومش محتاج حاجة من حد (واللي عنده كلمة يلمها). سوف أتضايق من ترديد أحدكم سؤالا ساذجا من نوعية: يعني الخمسين مليون دول كانوا يبنوا كام شقة أو يفتحوا كذا مدرسة أو مصنع أو مستشفي؟، هذا لأنني كررت ذلك عشرات المرات دون رد أو جدوي.. والمسلسل مستمر (هذه المرة دون قتلي) والأموال تتناثر هنا وهناك والطائرات واليخوت والمنتجعات والحسابات الخاصة تتضاعف وكله من فلوس الشعب، ولا جديد تحت شمس قاهرة المعز لدين الله الفاطمي، حيث الثراء الفاحش والفقر الفاحش أيضًا، ولا وسط هناك. تذكرت ذلك.. للحظات.. ثم تناسيت انتظارا لحدوتة تالية مع رجل أعمال مستحدث، ومراقب لموظف هزيل يفاصل البائع (الذي لا يزال يسحب عربة كارو) في ثمن كيلو خضار يسرع بعدها كي يقف في طابور العيش ولسان حاله يقول ضاحكا: سبعين مليون.. يجيبوا كام رغيف دول؟ صحيح واحد متزوج وتعدي الخمسين ولديه أسرة وأولاد واسم معروف، يلقي بالملايين هكذا بكل بساطة أو سفه تحت أقدام امرأة سبق لها الزواج والارتباط مرات تحت الأضواء وفوق الأعراف.. لكن تقول إيه؟ دول بعض رجال أعمالنا.. وكم في مصر من المضحكات المبكيات. نراكم مع نجم جديد في حلقة قادمة يتكرر فيها شفط فلوس الغلابة!