ما الذي يميز أمة عن غيرها؟ ما الذي يجعل مواطنين يشعرون بالانتماء إلي وطنهم؟ كل هذه الأسئلة دارت في رأس المؤرخ هولجر هوك في كتابة الجديد"إمبراطوريات من الخيال:السياسة والحرب والفن في العالم البريطاني في الفترة ما بين 1750-1850". ويدور الكتاب حول العلاقة بين الفن والسياسة والحرب في الإمبراطورية البريطانية في الفترة من منتصف القرن الثامن عشر إلي القرن التاسع عشر. وبعد عام 1750خرجت بريطانيا من الشرنقة لتكون قوة عالمية كبري، بل قادت القوي الثقافية في أوروبا، ويشير هوك إلي أن السر وراء تحول بريطانيا إلي قوة ثقافية رائدة في أوروبا هو في العلاقة بين ثقافة السلطة وسلطة الثقافة، فحاول البريطانيون استثمار الجهد الفني والإبداعي للحفاظ علي تاريخ طويل من الانتصارات والأمجاد و الكفاح ضد فرنسا في عهد نابليون، ولتأكيد شرعية الإمبراطورية في الهند. فالفن بالنسبة لدولة تبني أكبر إمبراطورية في التاريخ، هو ليس فقط بغرض الفن أو التعبير عن الحضارة لكن أيضا وسيلة لتأكيد الهوية الوطنية ولإظهار السلطة. ويرصد الكتاب كيف أقام البريطانيون حروبًا ثقافية عالمية وكيف كان البريطانيون مهتمين بالثقافات القديمة والآثار في دول البحر المتوسط والشرق الأدني والهند، مثل حجر رشيد ورخاميات البارثينون وكاتدرائية سان بول الشهيرة الموجودة في وسط لندن. فالأمة يمكن أن تتميز بفنها وتراثها والنصب التذكاري والتماثيل والفن بشكل عام يجسد تاريخ الأمة وذاكرتها... ويكشف المؤلف النقاب عن قيام الرسامين الأمريكيين بدور مهم خلال حرب أمريكا من أجل الاستقلال وعكف الرسامون والنحاتون علي تجسيد الانتصارات العظيمة عبر أعمالهم الفنية والنصب التذكارية تمجيدًا لذكري الأجداد والشهداء. واحدة من أهم التحف الأثرية في التاريخ داخل المتحف البريطاني هو حجر رشيد، فهذا الحجر الشهير هو مثال حي علي العلاقة بين الحرب والفن وعلم الآثار والإمبراطورية في عصر نيلسون، اكتشف جيش نابليون حجر رشيد الذي يبلغ ارتفاعه ثلاثة أقدام ونصف القدم عام 1799، ويعود إلي عام 196 قبل الميلاد. وحازته بريطانيا بعد هزيمة نابليون بموجب معاهدة الإسكندرية عام 1801، ويشير المؤلف إلي أن الفن في بريطانيا في عهد جورج الثالث وجورج الرابع كان يتسم بالمجد العسكري والشجاعة والبطولة. ومثلما كان يجسد الفنان البريطاني الحرب والإمبراطورية في الداخل فإن بعض عملاء البريطانيين في الخارج كانوا يسعون نحو نوع آخر من الإمبريالية الثقافية عن طريق البحث عن الآثار وتجميعها، ويري الكاتب أن هذا ما هو إلا دمج للمبادرات الفردية مع مصالح الدولة، وزخر المتحف البريطاني بالكثير من هذه الآثار التي تم تجميعها من عدة أماكن حول العالم، ومثال علي ذلك حجر رشيد الذي يجذب الزوار من أنحاء العالم لما عليه من نقوش بثلاث لغات الهيروغليفية والديموطيقية والإغريقية، إذ يعد هذا الحجر هو مفتاح حل لغز الكتابة الهيروغليفية.