قرأت شكواك وما بك داء أيها الإعلامي الكبير، وتساءلت بيني وبين نفسي، كيف تشكو إذ غدوت لا سمح الله عليلا. أنت لست عليلا لتشكو، أنت نمسك الخشب في تمام لياقتك الذهنية والمهنية وهذا هو ما خرجت به بعد مشاهدتي برنامجك الجيد الجديد الذي اعتذرت أنت عنه لقرائك قبل تقديمه ثم مرة أخري لمشاهديك بغير موجب للاعتذار وكأنك مهندس صواريخ أرغمته الأيام علي أن يعمل سباكا في قرية من قري الصعيد. إنني أطلب منك أن تكف عن إقناع نفسك بأن الإعلام العربي كله يمشي في الاتجاه المضاد لآمال وأحلام الأمة العربية وأنه يبات كل ليلة في أحضان الإمبريالية والاستعمار والرجعية وأنه يمارس الاستسلام لأمريكا وإسرائيل في طابور الصباح أو ربما علي مدار الساعة وأن ذلك كله هو السبب الوحيد في الاستغناء عنك وعن برامجك الشهيرة في أكثر من محطة. بالطبع أنا لا أطالبك بتغيير أفكارك غير أنني أطلب منك بقوة أن توظف أفكارك كإعلامي محترف وصادق مع نفسه، لخدمة المهنة وليس أن تستمر في توظيف موهبتك الفريدة في مهنتك لصالح هذه الأفكار. بمعني أدق وأوضح.. هناك ماض وهناك حاضر يحوي بذور المستقبل، عليك أن تقدم استقالتك من الماضي وأن تلتحق بالحاضر لتشارك بقوة في صنع المستقبل، وإذا كان صعباً عليك الاستقالة من إعلام الماضي فعلي الأقل أحصل منه علي إجازة بدون مرتب. أنا لست أعتقد أن حالتك تمثل جمودا فكريا فمثلك لا يعرف الجمود عند فكرة أو حزمة أفكار، أنت فقط تعاني من حالة إخلاص شديد لحبك الأول، وتري أن تخلصك من ذكريات هذا الحب الجميل فيه خيانة ليس فقط لحبيبة لم يعد لها وجود، بل خيانة للشعب المصري وللقومية العربية . وهذا الأمر غير صحيح، ففي حبك الأول الذي نعمت به منذ خمسين عاماًً تقريبا، كانت المهنة سهلة للغاية، فأنت تعمل عند الزعيم أو عند الحكومة وفي كل الأحوال كان العمل لذيذا وممتعا، كان الأمر أشبه بمباراة أنت فيها في فريق لا يوجد فيه خط دفاع، الفريق كله يلعب في الهجوم، كان المطلوب هو حماية الثورة بوصفها طليعة الشعب طبعا من أعدائها وهم كُثر. وكان الإعلام هو خط الدفاع الأول، وكان خطه الأساسي وربما كان هذا الخط لا يزال موجودا حتي الآن علي نحو باهت هو العدوان علي الآخرين وشتيمتهم علي نحو جارح من المستحيل تبريره أو الدفاع عنه، غير أنني أعترف أنك نأيت بنفسك عن هذه المنطقة الموُحلة. العدوان في تلك المرحلة البعيدة كان من ملامح الزعامة، هكذا تم الخلط بين الزعيم الجماهيري والزعيم الإعلامي، بمعني.. ما لم تكن زعيما جماهيريا فأنت لست إعلاميا ناجحا، وهذا هو بالضبط ما نعانيه الآن .بعد أن تحول معظم مقدمي البرامج بسبب ضعفهم الإعلامي ورغبتهم في التحول إلي زعماء شعبويين، إلي ضباط شرطة ووكلاء نيابة وقضاة وأحيانا إلي عشماوية يستخدمون الكاميرا في شنق الناس بدلا من الحبل. أما في أحسن الظروف فهم يلعبون دور الندابات كما يقول أستاذنا أنيس منصور. اسمح لي أن أحكي لك لقطة واحدة ربما تفسر ما أقول علي نحو أفضل، في برنامج تليفزيوني جمع عددا من مقدمي البرامج قال الأستاذ محمود سعد: تلتف الناس حول الإعلامي بقدر معاداته لأمريكا.. ده أنا أعرف واحد بني مجده الإعلامي علي معاداته لأمريكا، عندما دخل نقابة الصحفيين صفقوا له لمدة تلت ساعة. بالطبع أنا لست أوافقه علي تفسيره أو تحليله وأري أنهم صفقوا لك طويلا لأنك رجل إعلام ممتاز وأيضا لأنهم رأوا فيك رمزا من رموز الماضي الجميل، أرجو أن تلاحظ أن الماضي جميل دائما عند العاجزين عن التعامل مع الحاضر. لم تكن موفقا عندما قلت في مقالك إنك قبلت هذا النوع من البرامج الذي هو أقل مما تراه جديرا بك، كما لم تكن موفقا أيضا عندما قلت في بداية برنامجك في شبه اعتذار ليس هذا ما أريد تقديمه ولكنه الزمن، علي طريقة.. إيه اللي رماك علي المر؟ ألا تري أن ذلك مهين إلي حد ما لهؤلاء الذين استدعوك للعمل ومهين للمشاهدين أيضا؟ أنت تعرف بالطبع أنني لا أجامل أحدا، ولكن ذلك لا يمنعني من القول بأنك قدمت برنامجا ممتازا يستند إلي حرفية عالية، كان البرنامج راقيا وغنيا بمحتواه ومادته بكل المقاييس، واسمح لي أن أضيف، وجودك في القناة سيحدث بها قدرا من التوازن نحن كمشاهدين في حاجة إليه، وأن الشبان والشابات سيتعلمون منك الكثير، الإعلام في مصر في حاجة ليس إلي رمانة ميزان واحدة بل إلي رمانات كثيرة أنت واحد منها، حبيبتك الأولي لم يعد لها وجود أيها الصديق القديم الأستاذ حمدي قنديل، يوجد فقط حاضر المصريين ومستقبلهم الذي هو بالضبط حاضر ومستقبل الأمة العربية، الديمقرطية والسلام والتنمية وحقوق الإنسان الفرد وحقوق المرأة هي جميعا حبيبتك الآن أو علي الأقل هذا ما يجب أن يكون.