(اتجاه فكري أشد خطورة من الليبرالية والعلمانية والماركسية ، وكل ما عرفته البشرية من مذاهب واتجاهات هدامة ، ذلك أنها تضمن كل هذه المذاهب الفكرية ، وهي لا تخص مجالات الإبداع الفني ، والنقد الأدبي ، ولكنها تخص الحياة الإنسانية في كل مجالاتها المادية والفكرية علي حد سواء ) السطور السابقة هي جوهر ولب المأساة التي تتضح من خلالها ملامح الحالة العامة التي تعيشها العقلية العربية والاسلامية فما إن تشرع في البحث عن معني أو مرادف لمصطلح الحداثة إلا و تجد أمامك هذا الكم الهائل من التعريفات التي تأخذك بعيدا عن واقع الحياة و مجريات الأحداث . يمكن لأي انسان أن يدخل علي شبكة الانترنت ويحاول البحث عن مفهوم الحداثة وإن فعل ذلك فلن يجد أمامه إلا هذه النوعية من التعريفات التي تغيب العقل و تلغي الواقع وتستبيح المستقبل لصالح التيار السلفي الغني عن الوصف والهدف إن العالم الآن يسبح في بحر من الحداثة و المفارقة أن جميع منجزات هذه الحداثة يرتع في خيراتها هؤلاء الذين يرمونها بأبشع النعوت وليس هذا فحسب بل إن اصحاب الفكر غير الحداثي يستخدمون كل منجزات الفكر الحداثي ليس فقط الوسائل التكنولوجية الحديثة ولكن أيضا في أساسيات ومنطلقات الإقناع في الحوار وأعني بذلك أن جوهر الحوار الديني هو التلقي من مستوي أعلي (رسول- عالم - فقيه) الي مستوي أدني أما جوهر الحوار الإنساني هو المناقشة يتساوي فيها الجميع في خطوط متوازية حتي وإن كانوا يمثلون مستويات مختلفة من الطبقات الثقافية حيث لا يستطيع أحد من هؤلاء المتحاورين أن يدعي أنه الأكثر وعيا وفهما وإلا اعتبره الآخرون تجاوزا في حقهم والمفارقة التي أعنيها هنا أن استخدام أساليب الإقناع من برهنة عقلية وخلافه هو بالفعل ما يستخدمة أصحاب التيار (الضد حداثي) علي الرغم أنه يخالف في جوهره متن وأرضية فكرهم القائم علي التلقي والتأمين (آمين) دون إعمال للعقل في المسموع. وهذا معناه أن التيار (الثباتي) متغلغل في صميم حياتنا والذي يعضد هذا التيار ليست السلطات الحاكمة حفاظا علي مكانتها ولكن الذي يدعم هذا التيار هو الثقافة العامة للمجتمع ككل . الفكر الإسلامي الذي يتسيد الساحة الآن هو فكر سلفي يقدس العودة لما كان عليه الأقدمون وهذا معناه أنه ضمنيا يرفض فكرة الحداثة شكلا وموضوعا لأن في ذلك هدما لمشروعة المطروح . ولنستعرض سويا ما يقوله أصحاب الفكر السلفي ورأيهم في الحداثة كمفهوم. من ارائهم (يذكر د . محمد خضر عريف في معرض حديثه عن الحداثة وتعليقه علي بعض الدراسات التي صدرت حولها من غير مفكريها وروادها في الوطن العربي في كتابه الحداثة مناقشة هادئة لقضية ساخنة قائلا : " إننا بصدد فكر هدام يتهدد أمتنا وتراثنا وعقيدتنا وعلمنا وعلومنا وقيمنا ، وكل شيء في حاضرنا وماضينا ومستقبلنا ") هذا غيض من فيض لنوعية الكتابات المكتوبة عن الحداثة ويتضح فيها إضمار هذا الكم الهائل من الكراهية للحداثة وأهلها وإعمال كل معاول الهدم لكل محاولات تجاوز الواقع لما هو أفضل باستخدام أساليب هي في حد ذاتها خلاصة تجارب بشرية ومنتجات فكرية لعقليات سمح لها المناخ العام في بلادها بأرتياد آفاق أوسع مما سمح لنا ( هذا علي إفتراض أنه قد سمح لنا بأي شيء) وإذا بنا نحول القضية برمتها إلي قضية دينية بدلا من أن نتعامل معها علي أنها إشكالية حضارية تخضع للمعايير الإنسانية العامة من حيث النتائج والأهداف إن قضية الحداثة قضية إنسانية عامه. وهي متشعبة في كل المجالات في الفن و الأدب و السياسة والفكر هي أسلوب و نهج وليست غاية في حد ذاتها كما أنها لا تمثل دينا بشريا مستقلا بل قد تأتي نصرة الاديان من خلال منهجها إذا برع المدافعون عن الأديان في استخدام طرائقها..... الحداثة مثل العولمة لا أحد يستطيع أن يتجاهلها إلا بتجاهل الحياة نفسها لا أقول أنها مفروضة علي الجميع ولكن الكل شاءوا أم أبوا يندرجون تحت لوائها فهي الواقع ذاته والمؤسف ان الغالبية تتعامي عن هذا الواقع وتحيا في عالم مواز ؟ والدليل هذه القنوات الفضائية والمواقع الألكترونية والكتيبات التي خلقت عالما آخر غير الذي نحيا فبأي عقلية يمكن أن يفهم هؤلاء الكثر أن ما يحيون ليس الواقع وبأي طريقة يمكن إقناعهم أن يدخلوا إلي عالم اليوم كما دخله السلف الصالح في زمانهم -ياله من سؤال