اخترعت هذه المجتمعات وضع هؤلاء (غير اللازمين) في قصاري تشبه نباتات الزينة - ووزعتها في أركان الصالونات في شكل لجان تُحلي بها الصالونات فتعطي للعالم صورة براقة لتطور فنون الديكور والتحنيط.. فهذا رجل وردة نادرة في قصرية من الفخار، وهذه سيدة (قلة) في قصرية من الزجاج غالي الثمن - وهذا فرع سنديان جالس في فنجان - وهذا كوز درة بلدي أصيل مستقر في قصرية طفل شقي . وكل هذه الأكواز والفروع والأوراق في (الظل) بعيدًا عن الشمس والهواء لا تمارس إلا الجلوس داخل القصاري استكمالاً للشكل ولإثبات حلاوة المنظر وروعة المظهر. ويطول بهذه الأواني والقصاري البقاء في الظل، ويطول إهمالها في أركانها وتتجاوز الفروع ويبدأ الحوار همسًا خوفًا من أن تغير (السلطة صاحبة القرار) قرارها، فتلقي الكل في (الصحراء)، صحراء النسيان، وتموت نباتات المنظرة والزينة إن واجهت واقع الحياة والسعي وراء الماء والعمل الجاد الذي هو فعلاً جهاد وسعي لم تتعوده تلك (الزخارف أو الزعانف) المدعومة بالكامل، ولا يصدق أحد هؤلاء أن عمره الافتراضي قد انتهي، وأنه مجرد (ديكور) أو شيء لا قيمة لوجوده عمليا، ويمعن (النبات) من هؤلاء في الصراخ هازا فروعه وساقه لكي يؤكد تواجده ويتجاور البصل مع التين والفل مع الياسمين في حوار حزين لحسم قضية (الركنة) في الظلام، ويتوهم الكل أنهم ليسوا مناظر - وينسون أنهم في حكم (الفعل الماضي) وأنهم زينة وزخرف ويعيشون في وهم اللجنة الثورية ذات الحظوة أليسوا (حزمة خضار) في صالون الكبار ويهددون أحيانًا بالاستقالة وينزعون أقدامهم وسيقانهم المغروسة في طين (القصاري) ساعة العصاري مهددين بفشكلة ديكور الصالون، أو يأخذون الحق في إصدار القرارات، وعندما يقوم لهم المعلم (ريحان): نحن لسنا إلا (هوامش) يحولون القرار لتوصية، ويخاف الأخ المحفوظ جرجير أن يدفن تحت السرير وينصح بالتمعقل والتأمل والتركيز في المزامير والبحث القرنفلي الفللي في فنون (الأيديولوجيا) والحنجلة واللعب بالكورة والبلبلة - ويصوب جموح الزملاء - فلن يقبل أحد من محنطي الصالون إصدار قرار ولا بيان ولا حتي نصيحة، ويعدل المتمعقل الفالح اقتراحه إلي (توصية) والتوصية حلوة ومناسبة للكبار من السيدات والرجال والتوصية وقورة - محترمة تؤكد أنها صادرة من ناصح فالح عالم كالح صالح باحث عن المصالح. وتصدر توصية - آل إيه بكذا يعني كذا. وينسي المزروعون في القصاري والبلاليص - أنهم خارج أرض الإنبات والإخصاب وأنهم لا يثمرون ولا يتمرون ولا ينجبون فعلا ولا قولا، وأنهم فقط أشكال لا تسفر عن مضمون غير أن خرق الثقة بالذات ولعبة (الكبير والقفوات) تخيل علي الكل. ولأن الكل تعود علي التواجد بجوار الكبير حارسًا أو غفيرًا أو ناصحًا أو وزيرًا أو طرطورًا.. فهم راضون بالبقاء في وظيفة (قلة) أو زهرة أو منفضة للسجائر أو ممسحة للأقدام. المهم هو البقاء في (ديوان الكبير) حتي ولو صرح الكبير بأن هؤلاء (شجرة ماتت ولابد من قطعها فهي غير مثمرة ولا فائدة منها) وهم يتربصون بالكبير ويتحولون من نباتات (زينة) تسعد الزوار إلي نباتات مسمومة تتسلل لكي تملأ المياه سمًا والجو تآمرًا وموتًا وغشًا وخداعًا.. تتوهم الشجرات المحنطة القدرة علي تعديل الواقع أو تغييره أو تطويره.. تتوهم القدرة علي الحياة من جديد وتناست أنها لا شيء سوي نباتات ماتت ولم يعد يعرفها أحد وأن دورها قد انتهي وأنها موجودة في القصرية من باب الإشفاق لكن مكانها الطبيعي هو سلة مهملات الأيام المجيدة والتاريخ القديم. (ملحوظة) كاتب السطور نبات زينة أيضًا. ڤازة أو زهرية أو قصرية حتي مجرد بلاص