منذ أن سطع نجم د. أحمد زويل العلمي بحصوله علي جائزة نوبل وما تلي ذلك من تكريم عالمي ومصري وأنا مشدود لأتعرف علي هذا الرجل الذي خرج من بلدي مصر ومدينتي دمنهور، وكانت المعرفة من خلال أول لقاء إعلامي تلفازي مع المحاور النابه مفيد فوزي وذلك منذ سنوات، وكم استمتعت بسمت هذا العالم وتواضعه وبساطة شرحه ويسره حتي يخيل إليك أنك أمام عاشق للعلم يتغزل في محبوبته، أما أسلوب شرحه فهو غاية السهل الممتنع. استمر اعجابي بالرجل يتزايد كلما جاءت سيرته في أي مناسبة إعلامية، وكم علقت آمالاً علي الرجل في مساهمات علمية تساعد في نهضة علمية تنموية تليق بدولة كمصر إلا أنني بدأت أدقق في كلام الرجل خاصة بعدما طال الأمد ولم نر علي أرض الواقع - مع مرور سنوات - أي أعمال علمية مشاهدة وقائمة بمساهمات من الدكتور زويل وسعيه، إلي أن استمعت إليه في حوار مطول في أحد البرامج ثم استمعت إليه في محاضرة بالصالون الثقافي لدار الأوبرا وبعد ذلك بدأ اعجابي بالدكتور زويل يخبو قليلا خاصة حينما عقدت مقارنة بينه وبين عالمين كبيرين في مجال الطب وهما د. محمد غنيم ود. مجدي يعقوب، فتوصلت إلي قناعة شخصية أن د. زويل في مصر أقرب للشعراء والأدباء منه للعلم والعمل كما أن في ثنايا حديثه لفحة سياسية ربما تثير حوله بعض الكلام أو التأويلات في جو ملبد بالفتن الفكرية والسياسية في مصر فيحول ذلك بينه وبين مشروعه العلمي في مصر إن كان صادقًا، لذا أري أن د. غنيم ود. يعقوب أفادا مصر إفادات عظيمة أكثر مما أفاد د. زويل مصر، فمصر استفادت من زويل استفادة معنوية إعلامية عالمية لكونه مصريا، أما دون ذلك فمجرد أطروحات نظرية تفتقر إلي الجدية والهمة العالية للتنفيذ. فكلنا يعلم أن د. محمد غنيم بالمنصورة لم يعبأ بصعاب إدارية أو بيروقراطية محبطة فعزم وأصر وخطط وصابر وأنفق من ماله الخاص قبل المال العام حتي أسس صرحًا طبيا علميا عالميا فريدًا في الشرق الأوسط، وكم ترحمت علي ذكاء الرئيس السادات حينما شجعه بعد إجرائه أول عملية زرع كلي بالمنصورة فأصدر قرارًا بتعيينه مستشارًا طبيا له أي لرئيس الجمهورية فلما أراد د. غنيم أن يعفيه الرئيس السادات من هذا المنصب الذي قد يعوقه عن طموحاته العلمية وهمته العالية في نفع بلده فيما يجيده، لكن فاجأه السادات ببعد نظره المعتاد أن تعيينه مستشارًا طبيا سيساعده في تسهيل مهمته ومشاريعه الطبية فمن سيجرؤ أن يعوق سير مستشار رئيس الجمهوري؟ إذن السادات كان مدركًا لطبيعة الحالة الإدارية الحكومية المصرية فأراد أن يدفع د. غنيم للأمام ويفتح له الأبواب التي ستغلق في وجهه لو تحرك بمفرده بدون دعم معنوي رئاسي، وصدقت نبوءة السادات ونجح د. غنيم في مشروعه الطبي العالمي والذي يعتبر إحدي منارات العلم والطب في مصر. أما د. مجدي يعقوب فتوجه مباشرة لمعهد ناصر للقلب وأجري سنويا عمليات قلب مفتوح فيه ثم كلل سعيه وهمته فأنشأ مركزًا طبيا للقلب بأسوان وأحاط نفسه بمجموعة شباب من أطباء مصر ليقوم علي تدريبهم وتوجيههم بجانب خبرات أجنبية صديقة له بالمركز المذكور ليتم نقل الخبرات العالمية في جراحة القلب إلي مصر فحقق إنجازًا علميا طبيا نحن في حاجة إليه ويمثل اضافة عظيمة علي طريق التقدم والتطوير. أما د. زويل فقد أكثر من التقعيد والتنظير وافتقر إلي العمل ومرت السنوات ولم نشاهد شيئًا علي أرض الواقع ولو عملاً بسيطًا فنحن في مصر في حاجة إلي أعمال علي أرض الواقع أكثر من حاجتنا إلي تقعيد وتنظير أقرب لأسلوب الشعراء من أسلوب العلماء العاملين، إن عبقرية زويل لا تتجلي في وضع منظومة علمية لتطوير التعليم وفق أحدث ما وصلت إليه أمريكا أو أوروبا وإنما العبقرية حينما نضع المنظومة وفق ما هو متاح الآن وليس وفق ما نتمني ،فالبداية هي الأصعب ولقد تأخرت البداية فلنبدأ بما هو متاح ولو قليل، فأول السيل قطرة، فمثلاً هل يعجز د. زويل كفرد أن يقيم مجمعًا تعليميا صغيرًا من الروضة إلي الثانوية العامة ببلده دمنهور أو بإحدي مناطق الظهير الصحراوي بمحافظة البحيرة كوادي النطرون ومدينة النوبارية؟ فيصمم المجمع وفق رؤيته هو وفي الفترة التي يستغرقها إقامة البنيان يقوم هو باختيار مجموعة من شباب مصر يتوافدون عليه بأمريكا من خلال دورات علمية مكثفة لكيفية إدارة هذه اللبنة العلمية كمساهمة شخصية منه لبلده ومسقط رأسه، أيعجز د. زويل أن ينشئ اتحادًا عربيا للعلماء مهمته الأولي والأخيرة العلم ولا شيء غير العلم لا طائفية فيه ولا سياسة ولا حزبية ،إنما اتحاد للعلم والتكنولوجيا يختار بلدًا هادئًا آمنًا لبلورة مشروع علمي عربي علي أرض الواقع، وأرشح كاقتراح مدينة الطائف بالسعودية لهذه الفكرة حيث الهدوء والأمن واعتدال المناخ وسعة الأرض، كما اقترح أن تدفع كل الدول العربية المنتجة للبترول عن كل برميل دولارًا واحدًا كحد أدني لاقامة هذه النواة العلمية علي أن تكون توصيات هذا الاتحاد ملزمة لوزراء التعليم العرب، وحينئذ نكون قد رأينا واقعًا ملموسًا لأطروحات الدكتور زويل حتي يتحول الكلام والأحلام والأماني إلي واقع يتحرك علي أرض مصر. ملاحظة أخيرة: بعد محاضرة د. زويل في الأوبرا أعلن عن جائزة زويل لأفضل عمل فني فكانت جائزة الفيمتوثانية الزويلزمية لإحدي المطربات!! وعلي رأي صلاح جاهين "وعجبي".