بعد حصول الدكتور أحمد زويل علي جائزة نوبل عام 9991، التقيت الصديق يسري السيد في احدي ليالي المحروسة التي تقيمها الثقافية الجماهيرية في شهر رمضان من كل عام في حديقة علي نيل المنصورة. حيث الندوات الثقافية وإلقاء الأشعار. وعاتبته علي اشادته في عموده الاسبوعي بجريدة الجمهورية« بوطنية الدكتور زويل. ونفي يسري، فرجوته أن يعود الي ما كتبه، ليتأكد من صدقي. الرجل انجز علميا، هذا حق.. ومفخرة للجميع. لكن موقفه الوطني ليس كذلك. هاجر من مصر مبكرا الي امريكا، وحمل جنسيتها، وفي محاوراته التليفزيونية، وعلي صفحات الجرائد، متمتعا بنجوميته، بعد نوبل، ذكر انه اصر علي اضافة عبارة »المولود في مصر« الي اسمه في براءة حصوله علي الجائزة فلو حصل علي الجائزة كمصري، لما كان هناك داع لهذه الاضافة، لكنه حصل عليها كأمريكي.. وهو لم يغادر امريكا إلي السويد لاستلام الجائزة الا بعد ان سدد الضريبة المستحقة علي قيمة الجائزة. وفي محاورة تليفزيونية مع مفيد فوزي ، ذكر الاخير ما تردد عن زيارته لاسرائيل، رد الرجل انه فاز بجائزة معهد وايزمان في اسرائيل، ويشترط لتسلمها الذهاب إلي اسرائيل. وصمت مفيد خجلا او تأدبا، وكان يستطيع القول: طيب ياسيدي ما ترفض هذه الجائزة حفاظا علي شعور المصريين. واستطرد الدكتور.. انه لا يلتفت الي هذه المسائل.. فهو يهتم بالعلم فقط. اي ان العلم لا وطن له، ومن حقه أن يذهب إلي أي مكان من أجله. وبمناسبة هذه الزيارة، انا في حيرة من موقف المثقفين المصريين ورجال الإعلام عندما ذهب الكاتب المسرحي علي سالم إلي اسرائيل قامت القيامة ولم تعقد. وعندما ذهب دكتور زويل فكأن شيئا لم يكن. والدكتور كان يحضر إلي مصر قبل حصوله علي نوبل في الثمانينات.. ليحاضر في الجامعة الامريكية، وكافأته الاخيرة باجازة الدكتوراة الفخرية. وهناك من يعذر الدكتور، فلو مكث في مصر ما أنجز شيئاً، حيث البيروقراطية، وقلة المال المخصص للبحث العلمي، والافتقار الي روح الفريق في عمل الابحاث، وكذا المعامل متقدمة، ولو اخذنا بهذا المنطق، فالمطلوب من كل العلماء والنابهين المصريين والعرب ان يغادروا بلادهم المختلفة الي حيث التقدم العلمي والامكانات المتوافرة. ومن يا تري الذي سيعمل علي تقدم بلادهم! وهل هذا رد الجميل لشعوبهم، التي يدفع الغلابة فيها الضرائب. من اجل تعليمهم وتمكينهم من اظهار نبوغهم. في الحقيقة، الدكتور ليس ناكرا للجميل، اخرج من جعبته مشروع مؤسسة العلوم والتكنولوجيا والتي تحوي انشاء جامعة، لنقل مصر من العالم الثالث إلي العالم الثاني، وقابل بهذا الشأن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. وهو عند حضوره الي مصر تلبية لدعوات تكريمه، لا يأتي ويده »فاضيه« انشأ جائزة تمنح للعلماء الشبان، ومساعدات للطلبة النابهين. ولما سُئل عما تم بخصوص مشروعه، أفاد ان الحكومة لم تخصص الميزانية اللازمة، وانه ليس علي استعداد للتمويل، لكنه سيساهم بجهده العلمي وعلي استعداد لحشد جهود زملائه من العلماء.
ان الامر ليس تقديم اقتراح لابراء الذمة، ان من يتقدم بمشروع عليه الكفاح من اجل ان يري النور. وها قد مرت عشر سنوات علي تقدم دكتور زويل بمشروعه ولم يتم شيء. وليس هذا المشروع ، او غيره، هو الذي سينقل مصر من عالم إلي آخر. ولكن الذي ينقل مصر، هو توفير مناخ علمي، يؤدي الي تفكير علمي، يقضي علي البيروقراطية، والتقاليد الباليه، ويفرخ علماء جددا، ينهضون بالبحث العلمي. وهناك من يقول: لو بقي زويل في مصر ما حقق شيئاً. ونرد عليهم.. وكيف حققت الدكتورة رشيقة الريدي أستاذة المناعة بكلية العلوم بجامعة القاهرة انجازها الرائع في ابحاث مقاومة البلهارسيا، رغم بقائها في مصر، وحصلت علي جائزة لوريال باليونسكو وهي جائزة رفيعة، لا تقل عن جائزة نوبل، وهي تعطي لامرأة من كل قارة، وقد فازت بها عن قارة افريقيا. ان الدكتورة في طريقها لتطوير لقاح يمنع الاصابة بمرض البلهارسيا نهائيا.ً. ومن اجل ذلك خاضت صراعا في الجامعة التي تعمل بها لتحصل علي ميزانية لمعملها . وصرفت عليه من دخلها الشخصي، ومما أمكنها تدبيره من مساعدات، واستخدمت نجلها لمساعدتها في البحث، ولجأت إلي وحدة ابحاث البحرية الأمريكية بالعباسية. فرفضت اعطاءها فئرانا للتجارب، وحلت هذا المشاكل باللجوء إلي وحدة المواد البيولوجية في معهد تيودو بلهارس بالقاهرة. وما كان أسهل علي الدكتورة. ان تسافر الي أوروبا أو أمريكا وتحصل علي آلاف الدولارات.. لكنها فضلت خدمة بلدها.. حيث يتدرب علي يديها كثير من العلماء الشبان.. وحيث تحاول القضاء علي مرض البلهارسيا الذي يصيب اغلب الفلاحين المصريين، ويؤثر علي الناتج القومي. وشاءت ان تقدم خدمة للانسانية من مصر.
ومثال اخر نسوقه للمتحدثين عن امكانياتنا الفقيرة، هو الدكتور محمد غنيم. لم يكن الامر سهلا امامه.. خاض حربا ضد البيروقراطية المصرية العتيدة، ليحصل علي استقلاله الاداري والمادي عن الجامعة التي يتبعها، وساعده الناس في المنصورة، بداية من النائب في مجلس الشعب ممدوح فودة الي المستشار حمدي شطا الذي قام بالأعمال القانونية دون اجر، واعجب الرئيس السادات بقسم المسالك البولية، في الجامعة ، قبل ان يتحول الي مركز لجراحة الكلي والمسالك البولية، فمنحه لقب مستشار رئيس الجمهورية ليمكنه من تخطي اللوائح البالية التي تعوقه، وساعدته تبرعات كثير من الهيئات والافراد وساهم الفلاح المصري الفقير في بناء هذا الصرح العملاق، عندما استجاب لما قرره احد المحافظين من دعم لصالح المشروع علي كل فدان مزروع بالقطن او الارز او القمح، 29٪ من الحالات التي يعالجها المستشفي تتم مجانا. ونظرا للطلبات الكثيرة، وضعت قوائم انتظار، يتخطي فيها من يتبرع بمبلغ من المال. ولا نذكر حاجة مركز الكلي لهذه التبرعات.. أما من طريقة اخري لانقاذ مزيد من الغلابة. لان هذا الاستثناء يعني ان القادر يستطيع انقاذ حياته، بينما الفقير، قد لا يحل عليه الدور إلا في العالم الآخر. لم يحتج دكتور غنيم بضعف الامكانيات ويهرب إلي الخارج. كافح وأقام مشروعه لخدمة المواطنين حيث عالج منذ افتتاحه في عام 3891 وحتي الان 051 الف مريض، ولخدمة البحث العلمي مصراً علي تفرغ الاطباء العاملين به، وعدم فتح عيادات خاصة.
وفي ابريل عام 9002 اختار الرئيس الامريكي أوباما، د. زويل ضمن المجلس الرئاسي للعلوم والتكنولوجيا بيكاست« لوضع خطة لمستقبل أمريكا في القرن الحادي والعشرين، وكيف تتعامل مع التحديات الكبري التي تواجهها في مجالات الطاقة والتعليم والدفاع والاقتصاد والابتكار والبحث العلمي.. وبالطبع لن يكون احتفاظ امريكا بالتفوق من اجل احلال السلام في العالم ونصرة الشعوب المظلومة وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني. يقول الدكتور زويل في ندوة نشرتها له جريدة الشروق في 2/01/9002 ما يشغل امريكا الان هو ان تظل محتفظة بموقع الصدارة علميا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا. ويقول في موضع اخر. وعموما نظرية الامن القومي الأمريكي لا تقبل بوجود قوة عسكرية اكبر منها، وهناك عمليات تطوير دائمة للاسلحة بمختلف انواعها من الطائرات والمدافع والصواريخ عابرة القارات. فلماذا هللت الجرائد المصرية باختيار زويل مستشارا للرئيس الامريكي. أليس من الاولي ان تطالبه برفض هذا المنصب ولا يساعد في ابداء النصيحة، لتكون امريكا قوية.. لمزيد من استعباد شعوبنا. أين هذا من موقف دكتور غنيم، الذي زار غزة بعد اجتياحها الوحشي من جانب اسرائيل، لاجراء عمليات في مستشفياتها، تحت القصف والحصار.. واحضر معه نماذج من القنابل الفسفورية، فضلة خير التقدم العلمي في امريكا، ليفضحها في التليفزيون المصري. ومن الغريب ان غنيم في حديث له في قناة دريم 2 يوم الخميس 21/11/9002 يشيد بزويل ويذكر في نفس الوقت تصريحه لجريدة »الاندبندنت« البريطانية انه بعد محرقة غزة، لا داعي للعمليات الاستشهادية والحزام الناسف وخلافه، فلا جدوي منها، وان نأخذ باسباب التقدم العلمي اولاً. ولو اتبعت فيتنام، او كمبوديا الفقيرة جدا هذا النصيحة، ما تحررتا من الاستعمار الامريكي ابدا. ان الصراع بيننا وبين اسرائيل ، ليس صراعا علميا او حضاريا. دون إغفال بضرورة الاخذ باسباب التقدم، لكنه صراع بين نظم اجتماعية قائمة علي قهر الشعوب في امريكا واوربا واسرائيل.. وبين شعوب تجاهد للتحرر من التبعية لتبني نفسها.. وهل يظن الدكتور، انهم سيتركوننا في حالنا، حتي نأخذ باسباب التقدم لنلحق بهم؟! وها هو زويل يأتينا مبعوثا للرئيس الامريكي الي منطقة الشرق الاوسط.. للمساعدة في تنمية البرامج العلمية والتكنولوجية.. ولست ادري ماذا سينمي الامريكان ولا توجد برامج علمية ذات بال في المنطقة باستثناء اسرائيل، وان وجدت برامج فهم اول من يعطلها. ألم يضحك ايزنهاور علي ناصر، ومن بعده كارتر علي السادات ولم يوفيا بما وعدا به من المساعدة في انشاء مفاعل نووي مصري. وأليس مسلسل اغتيال علماء الذرة المصريين ابتداء من سميرة موسي إلي الدكتور المشد من فعل الامريكان؟. نريد فقط من الامريكيين ان يبتعدوا عنا.. والا يمكنهم زويل من استغلال عروبته ومصريته واسلامه لتبييض وجه امريكا المعادي لاي تقدم علمي وتقني في الشرق الاوسط. ولعله من المفيد ان أقول للدكتور، ما لم يقله له مفيد فوزي في حواره معه، بعد فوزه بجائزة نوبل. ذات يوم وجه قيصر بروسيا »المانيا« دعوة للعالم الفرنسي »باستير« لزيارة بلده، وكانت وقتها تحتل اقليما من فرنسا. رفض العالم تلبية الدعوة، فقال له القيصر: - العلم لا وطن له. فرد باستير. - لكن العالم له وطن.