أكثر من سبب يدعو الإخوان لحجب تأييدهم عن الدكتور البرادعي، فرغم أنه فاجأهم بالموافقة علي إنشاء أحزاب دينية، إلا أنه بحكم تكوينه وميوله الليبرالية لا يطمئن كلامه هذا الإخوان، فضلاً عن أنه لم يسحب تأييده لفكرة الدولة المدنية، مع أن إقامة أحزاب دينية تتناقض مع جوهر هذه الفكرة، كما أن البرادعي أفصح خلال أحاديثه التليفزيونية عن ميله لنظام اشتراكي ديمقراطي علي غرار ما هو موجود في السويد والنمسا، بينما الإخوان منحازون للنظام الرأسمالي ذي الطابع الديني، مما يعني أن ثمة تباعداً في التفكير السياسي بين د.البرادعي والإخوان حتي إن بدا أنهم يوافقونه علي إجراء تعديلات دستورية تتيح للمستقلين خوض انتخابات الرئاسة بدون أي ضوابط. غير أن الأسباب التي ستؤثر بالقطع علي علاقة د.البرادعي بالإخوان تتمثل في أنه جاء ليتصدر هذا المشهد السياسي المعارض في وقت كان الإخوان يستأثرون هم وحدهم بهذا الموقع.. أي جاء ليزيحهم من موقع ساعدهم علي احتلاله ضعف أحزاب وجمعيات المعارضة.. إذن احتمالات المنافسة هنا أكبر من احتمالات التعاون بين د.البرادعي والإخوان ولا يعني ذلك بالطبع أن الاتصالات أو اللقاءات بينهما سوف تنقطع. لا قطيعة متوقعة بين د.البرادعي وممثلي الاخوان ولا خصام.. ولكن سيكون التعاون شكلياً ومحدوداً ومشروطاً أيضاً، فالإخوان من الصعب عليهم أن يمنحوا تأييدهم للدكتور البرادعي لأن هذا التأييد لن يكون خصماً منهم وإنما سيكون علي حسابهم، وهذا أمر من الصعب أن يقبلوا به.. إنهم يريدون أن تكون القيادة والهيمنة لهم.. وهذه التجربة المريرة لقوي وأحزاب المعارضة معهم.. وحتي وهم يفرضون هذه القيادة لا يقدمون شيئاً لمن يقودونهم من بقية القوي والأحزاب المعارضة. ولذلك فإن قبول د.البرادعي بإقامة أحزاب علي أساس ديني، والذي يعني في الترجمة العملية حزباً للإخوان لا يكفي لإغرائهم للتعاون الكامل معه ومنحه تأييدهم بلا شروط لما يقوم به وما يفعله.. ولعل ذلك من الصعب علي د.البرادعي أن يقوم به وهو الذي قدم نفسه للشارع السياسي بوصفه شخصاً مستقلاً.. رفض العروض التي قدمت له للانضمام الي أحزاب قائمة حتي يتسني له ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة القادمة.. فضلاً عن الذين التفوا حول د.البرادعي فور وصوله إلي مصر، اختاروه هو وليس شخصاً آخر ليتصدر هو المشهد السياسي المعارض، وحاولوا إقناعه بأن يترأس فوراً جبهة للتغيير، لكن ذلك اصطدم بتحفظه فتحولت الجبهة الي جمعية للتغيير فتحوها لكل من يريد الانضمام لها. وهنا لنا أن نتوقع بعد أن تهدأ فترة الاحتفاء بالدكتور البرادعي من قبل مناصريه، أن تبدأ بعض الانتقادات من قبل الإخوان أو المحسوبين عليهم له.. ومهما فعل د.البرادعي لن يرضي به الإخوان زعيماً عليهم، أو ممثلاً كما قال بعض أنصاره لطريق ثالث بين النظام والإخوان. الإخوان لن يرضوا بأحد ليس منهم ولا ينتمي إليهم، ولا ينصاع إليهم.. وسوف يتأكد د.البرادعي سريعاً من ذلك.. فهم رغم كل ما يتحدثون عن تحالف وتعاون مع بقية قوي المعارضة لا يعنون ذلك.