من بين الفاعليات العديدة لمؤتمر الإصلاح العربي الذي اختتم بالاسكندرية أمس جلسة مهمة لتقييم حالة العلاقات العربية العربية، تألق فيها كالعادة الدكتور علي الدين هلال بمحاضرة استغرقت ربع ساعة وفقا للوقت المحدد لكلمته. وحين يتحدث علي الدين هلال الأكاديمي لا يباريه أحد، فهو واحد من ألمع وأهم أساتذة النظم السياسية في العالم العربي، وقد طرح تشخيصا متكاملا لحالة العلاقات العربية، راصدا بعض الخطوط العامة التي يصلح كل منها للتحول إلي مبحث مستقل، أهمها التفتيت الداخلي، والاختراق الخارجي. ورصد علي الدين هلال عددا من الظواهر المستحدثة في العالم العربي من بينها عودة الأسلوب التقليدي في الاستعمار القديم إلي بعض مناطق العالم العربي كما هو الحال في العراق، لكن النقطة التي توقف عندها بمرارة هي الترحيب العربي الرسمي بالقواعد العربية الأجنبية لدرجة أن حاكما عربيا أقام احتفالا كبيرا بمناسبة تدشين قاعدة عسكرية أجنبية في بلاده! لكن تعاملات العرب مع بعضهم البعض تميزت أيضا ببعض الظواهر السلبية التي رصدها هلال ومنها عدم وجود رؤية استراتيجية للتعامل مع القضايا والأزمات والاكتفاء بردود الفعل السريعة والفورية مع الخطر، ثم يتوقف رد الفعل وكفي الله المؤمنين القتال! ويأتي بعد ذلك إعطاء الأولوية للاعتبارات القطرية الضيقة، وظهور سلوك جديد لم يكن معروفا من قبل وهو الإساءة للشعوب العربية، فقد كان السياسيون يختلفون، ويتناحرون لكن العالم العربي لم يشهد من قبل موجات إساءة عربية للشعوب العربية! وأخيرا تأتي قضية في غاية الأهمية وهي اختلاط العلاقات العربية بالعلاقات العربية الإقليمية، مما أعطي مساحات واسعة لدول الجوار الإقليمي في التدخل في الشأن العربي الداخلي والتأثير عليه. ولأن التعليم هو كلمة سر المؤتمر والمدخل الوحيد لأي إصلاح عربي، فقد اعتبره علي الدين هلال الحل الوحيد " لم تتقدم أمة بالجهل ولا بالدجل أو الشعوذة.. ولن يسمح لها الله بذلك لأنه أمرنا بالأخذ بالأسباب". وفي ختام العرض الممتع والموجز والوافي اعتبر علي الدين هلال أن تجاوز الحالة الراهنة في العلاقات العربية العربية رهن بالتقدم العلمي، والتعاون الاقتصادي، لكن كل ذلك يظل رهنا بوجود إرادة سياسية.. أو إذا أراد الحكام العرب ذلك.. وهنا ينتهي دور علي الدين هلال الأكاديمي، ولم يرتد ثوب السياسي، وهو أمين الإعلام في الحزب الوطني ووزير سابق.. ليشرح أسباب غياب الإرادة الرسمية العربية عن التقدم والإصلاح؟.. وإذا كان غياب الإرادة هو عقدة العقد العربية المزمنة في الإصلاح والتقدم علي حد سواء.. فما هي خريطة طريق تعديل هذه الإرادة وجعلها تتوافق مع تطلعات الشعوب؟.. وكيف يمكن تحويل الرؤي الأكاديمية الواعية إلي سياسات تأخذ بها الحكومات؟.. وهو السؤال الذي غابت إجابته عن المؤتمر؟!