لم تعد هناك أشياء في عالمنا العربي تجذب شباب الدول بعضها إلي بعض، لم أسمع مرة شابا مصريا من داخل أسرتي أو خارجها ينظر ولو بطرف عينه إلي الجزائر، ليبيا، السعودية، الكويت، دبي.. لم يحدثني شخص ومنذ سنوات عن لقطة جميلة في أي دولة عربية أو أي نهضة في شيء ما.. بينما انحصرت الكلمات حول أمريكا وفرنسا وانجلترا وإيطاليا، أصبحت تلك الدول هي الاهتمام الأول لدي شباب مصر والعرب! في الكثير من الأماكن أسمع الإشادة بكل ما هو غربي، وحتي من خلال المنظومة التعليمية المصرية احتلت جامعات الغرب أولي الرغبات لاستكمال الدراسة ومكانًا للعمل. هذا المشهد يؤكد أن العلاقات العربية/ العربية مهددة في أي وقت بالتوتر وستظل غير مستقرة.. لأن لا أحد منا مهتم بتعميقها لم تعد هناك أشياء تجمع بين الأشقاء سوي كلمات في كتب موروثة، لا آمال مشتركة إلا في الهجرة إلي أوروبا. وكما قلت إن التاريخ فقط هو العامل الأهم حاليًا في الترابط الموجود، أما الحاضر والمستقبل فلم يعد أحد مشغولاً بهما. ومع الأسف نجح الغرب في تلميع صورته لدينا وأوصل رسالة معناها أنه آخر بقعة آمنة في الدنيا وأن لديه ما ينقص البشر في كل الأمور.. أصبح الشاب العربي يعيش في أي دولة عربية وعينه وعقله مهتمان بالغرب باحثًا عن فرصة من أي شكل للانتساب أو الإقامة.. نحن في الدول العربية نهتم بكل ما يجئ من الغرب وبكل التطورات هناك، نسابق الزمن في تقديم أنفسنا إليه بكل الطرق ونتحمل الإهانات أمام سفارات تلك الدول للحصول علي فيزا حتي لمجرد الزيارة. وأمريكا زعيمة الغرب عندما قلنا إنها تتصرف بلا أخلاق بشأن التعامل مع العرب وأزمة العراق وفلسطين تجسيد حي علي سلوك الغرب وأمريكا. لم نجد أي صدي.. وقد ضحكوا علينا بتسليط كاميرات علي عشرات من الرافضين للحرب علي العراق أو العدوان علي غزة ليقولوا لنا إننا نسمح بالتظاهر ضدنا حتي في بلدنا. اكتشفنا أن الرئيس الأمريكي السابق بوش قد ضحك علي العالم وكذب علي شعبه وغيره من شعوب العالم عندما اعتمد بحربه علي العراق علي وجود أسلحة دمار شامل والغريب أن أركان حكومته تسابقوا علي تسويق تلك الافتراضية الكاذبة وبعد سنوات من الحرب اتضح أن بوش كاذب وأنه ضحك علي العالم وخدعه وعلي شعبه أيضًا، والأغرب أنه كان يعلم جيدًا أنه كاذب وأن كل مبررات الحرب كان علي علم بأنها غير حقيقية. العالم كله لم يلتفت ولم يتوقف عند كذب الرئيس الأمريكي وحكومته، لم يطالب أحد حتي من حكومات الدول التي خدعها بوش ودفعها للمشاركة في غزو العراق بأن يحاكم رئيس أمريكا وأركان حكومته كمجرمي حرب.. لم نسمع أن أي جهة دولية تقدمت بطلب بذلك، ضحايا بوش في العراق وأفغانستان وغيرهما ملايين من الناس لقوا مصرعهم ولم يسأل عنهم أحد حتي الضمير الحر في الغرب. إذا أمريكا والغرب مجموعة دول تتعامل بازدواجية ولا تتوافر في سياستها أي أخلاق من أي نوع.. وبرغم ذلك عادة ما ينجحون في تسويق سياستهم بيننا وهو ما نجحوا أو برعوا فيه حتي الآن. إذا كنا كدول عربية بالفعل مهتمين بالجيل الجديد عندنا من الشباب وغيرهم، علينا أن نلفت نظرهم إلي الأشقاء في الدول العربية وما يدور فيها، نجذبهم إلي دراسة أحوال الدول العربية ونسعي إلي تبادل شبابي وعلي كل المستويات لنعرف وندرس كل ما يدور داخل البلدان العربية الشقيقة. الاتجاه عربيا أصبح خيارًا مهمًا ومطلبًا يرتبط بالحياة نفسها، ولو كان قادة الدول العربية بالفعل يسعون لوطن عربي واحد عليهم أن يدرسوا كيف يمكن أن نخلق مبررات تجذب أولادنا إلي الدول الشقيقة وبأي طريقة. قد يكون فيها تعويضًا للنظر إلي الغرب.. لقد قلت إن مصر وليبيا والسودان من الممكن أن تبدأ قيادات تلك الدول العربية في البحث عن مبررات وحدة اندماجية.. وحدة مستمرة قائمة علي المصالح بعيدًا عن الشعارات.. العالم الآن أصبح لا يحترم الضعفاء، ولا يستمع إلا للكيانات الكبيرة، والدول الثلاث لديها من المقومات وعناصر نجاح الوحدة ما يجعل العالم يستمع وينصت لها ثم إن الوحدة هي العلاج النفسي لكل المشاكل التي تواجه الجيل الجديد بالشعوب العربية، ولو لم يلتفت قادة تلك الدول العربية وغيرها إلي ضرورة إعادة صياغة العلاقات العربية/ العربية.. صدقوني سوف نستيقظ علي حروب عربية/ عربية لو استمرت الحياة كما هي الآن أو الشعور بين شباب الدول العربية بعضهم ببعض! إن العلاقات العربية/ العربية أصبحت هشة جدًا ولا تصمد ليس أمام مباراة في كرة القدم.. بل لا تصمد أمام تصريح رسمي لمسئول درجة ثانية. واقعنا العربي يشعر المهتم بالكآبة ليس هناك في الأفق أي ملامح أري فيها أملاً في أي شيء.. ولو تركنا حالنا هكذا سنكرس حالة اليأس وبأنه لا أمل.. لكن المطلوب اصطناع "هزة" من عدة مواقف علي الأقل لننتبه أن هناك عالمًا عربيا لن نقول واحدًا.. لكن من المهم أن نصل في نقطة ما إلي أن نكون عندها واحدًا! ما يفرق بين الدول العربية أكبر مما يجمعنا وإذا كانت قيادات الدول العربية بالفعل لديها توجه عربي عليها أن تقوم بدور ما في هذا الشأن، لأن الانكفاء قد يوصلنا إلي التمزق إربًا إربًا أي ليس بين دول، لكن قد يكون في داخل الدولة نفسها. العالم لا يخدم إلا الأقوياء، أو ما يملكون من مقومات.. وعلي كل دولة عربية أن تسأل نفسها أين تقع من قائمة اهتمامات العالم العقلية وليست الشكلية التي تعتمد علي تصريحات الصحف بغرض تهدئة الرأي العربي أو الضحك علي قيادات تلك الدول! تعالوا نناقش بهدوء إحنا فين.. ورايحين فين عربيًا.. طبعًا هناك من يتعصب ويري الموضوع بسطحية ويؤمن بنظرية ليس هناك أفضل مما نحن عليه.. المتعمقون في الموضوع يعلمون جيدًا بأن هناك انحسارًا لكل ما هو عربي وتشويهًا لأي موقف نعتمد فيه علي عروبتنا.. والنتيجة الحتمية لما يحدث هي الانهيار.. وقد تظهر حركات تسعي لطمس العروبة مظهرة ما تحتها.. الخلاصة أننا في خطر، وأول عناصر الحماية هو أن نستيقظ وننظر حولنا بتمعن لنعلم إلي أي اتجاه وفي أي اتجاه نسير!!