لكن ما العمل يا صديقي والنوبة تُذبح أمام أعيننا؟! ما العمل ونحن نري الكسح الشمالي مصر علي ضياعنا؟! تلك كانت خاتمة رسالة الكترونية رد بها حجاج أدول، علي قارئ مصري يعيش في أمريكا اسمه حسن فهمي رشوان، أشاد برواية أدول "خوند حمرا". عندما يعتبر أهم أديب نوبي أن مصر ليست وطنه، بل إنها تذبح وطنه النوبة "أمام أعين النوبيين"، وكأنها تحتل النوبة بل مصرة علي ضياعها، فإن دعوة أدول تتعدي مجرد التعبير عن مطالب جماعة من السكان المصريين لهم ثقافتهم المميزة يطالبون بإعادة توطينهم في أماكنهم الحضارية القديمة خلف خزان أسوان، أو بحيرة ناصر، ليصل الأمر للتحدث عن شعب له وطن مستقل يقتطع من جسد الوطن الأم. والحقيقة أن حجاج أدول، يزايد علي كل النشطاء النوبيين الذين يتحدثون عن حق العودة والحفاظ علي الهوية النوبية، وفي أقصي المطالب تدريس اللغة النوبية والاعتراف بها رسميا، ويبدو بوضوح أن هناك جوانب شخصية بحتة عند حجاج أدول، تدفعه لهذا التصعيد ومحاولة تدويل ما يسميه "القضية النوبية". أول هذه الجوانب أن حلم نوبل يراوده، وبالتالي فهو يريد أن يلفت نظر العالم والقائمين علي الجائزة العريقة، إلي أدبه الذي يركز علي المجتمع النوبي في مصر، وهو ما أسرَّ به لبعض المقربين، وكتبه في رسالته الإلكترونية ذاتها بالنص: نفترض أنني سوف أنال نوبل، والنوبة ضاعت، ما الفائدة ؟ يهمني بقاء الشعب النوبي أكثر من نوبل. الجانب الثاني وهو حلم الثراء السريع لتأمين شيخوخته، فهناك عدد كبير من المراكز والجمعيات والمؤسسات الأجنبية بعضها مشبوه تمول نشاطات أدول ومن علي شاكلته بسخاء، لخلق رأي عام دولي يضغط علي النظام المصري للاستجابة لمطالب هؤلاء. الحديث عن هموم النوبة في مصر، بدأ نغمة لا يكاد يسمعها أحد من أهالي النوبة الطيبين منذ سنوات، ورويدًا رويداً علا صراخ بعض المثقفين الذين يزعمون أنهم يدافعون عن هوية وثقافة النوبة، باعتبارها إقليمًا غير مصري، بتحريض وترغيب من المخابرات الأمريكية والإسرائيلية. ثم زادت الوتيرة بالتزامن مع استعادة مصر لعلاقتها الطبيعية مع النظام السوداني، طبعًا أجهزة المخابرات لا تظهر في المشهد بشكل صريح، فهي تدير الملف عن طريق مراكز ومثقفين وجمعيات تمولها، وتنفذ أجندتها في أمريكا وألمانيا وكندا وغيرها. فبعد أن استوي ملف "نار الفتنة الدينية"، ورسخ في وجدان العامة أن هناك مشاكل كبيرة أو صغيرة بين المسلمين والمسيحيين، وبعد أن نجح العابثون في ترسيخ توتر ما بين الدولة وبدو سيناء، حان وقت "تسخين" ملف النوبة ، تلك المنطقة المصرية الهادئة بأهلها المسالمين. لكن ما يدهشني حقاً أن الدولة لا تعطي هذه المسألة اهتمامًا لائقًا.