في أوائل الثمانينيات من القرن العشرين ، وفي أثناء رئاسته لمجلة أكتوبر ، كتب الأستاذ صلاح منتصر مقالاً عن الاحتفال بعيد أكتوبر ، ذكر فيه جملة شغلتني لفترة طويلة ، ولا أزال أتذكر نص هذه الجملة بعد مرور حوالي ثلاثين عاماً " أصبحت أعتقد أن شهر اكتوبر لم يعد يجيء في موعده المحدد من شهور السنة ، بل أصبح يجيء عندما نحتاج إليه " ، وقد دأبت علي تعديل هذه الجملة مراراً لتتناسب مع الظروف والتجارب التي أمر بها ، بحيث تصبح في بعض الأحيان "أصبحت اعتقد أن النجاح لا يأتي إلينا بل نذهب إليه " ، و" اصبحت أعتقد أن التميز لا يجيء للفرد ولا يوهب له بل يصنعه علي عينه " ، و" أصبحت أعتقد أن المتاعب ليست قدراً يصيبنا بل اختياراً نذهب إليه " .. وهكذا . وقد شرفت هذا الأسبوع بالاشتراك كمتحدث في ندوة عن "التناول الإعلامي لأحداث نجع حمادي" تحت مظلة المجلس الاعلي للصحافة والتي تستحق الاشادة لاستيعابها أهمية مواصلة التعامل مع هذه القضية ، وترأس هذه الندوة الأستاذ صلاح منتصر .. وقد كشفت لي هذه الندوة عن أبعاد متميزة في شخصية هذا الصحفي المتميز .. فعلي الرغم من تاريخه الصحفي الطويل ، وعلي الرغم من عمق تجاربه ، وثراء معلوماته في كثير من مجالات الحياة ، وعلي الرغم من قدرته علي الاعتماد علي هذا المخزون من المعرفة ، فإنه يتعامل مع أي موضوع بمنطق الباحث المستجد ، فهو يجمع المعلومات من مصادر متعددة ، ويجهز نفسه للموضوع الذي يتحدث فيه جيداً. وهو في أثناء حديث الآخرين يكتب نقاطاً ، ويدون ملاحظات.. ومن يتابع عموده اليومي " مجرد رأي" في جريدة الأهرام ، يكتشف أبعاداً ثرية ومتعددة في شخصية هذا الصحفي المتميز .. فعمق الرؤية ، واتساع المنظور، والقدرة علي مواكبة روح العصر ، ومخاطبة فئاته المختلفة ، والتواصل مع جيل الشباب هي أهم ما يميزه .. إضافة إلي ذلك ، فإن خطابه الإعلامي متعدد المستويات والمجالات ، ولعل مقالاته المتميزة وتعليقاته علي دعوة هيكل الأخيرة أن تكون توضيحاً لهذا البعد .. إضافة إلي حديثه مع الدكتور عبد المنعم سعيد حول مفهوم الطبقة الوسطي في مصر وتطورها ، وحديثه مع سليمان جودة حول دستور 1954 ، وحديثه في هذه الأيام عن التعليم وأهميته . وقد لفت نظري أيضاً في شخصية صلاح منتصر ، قدرته الهائلة علي ترويض نفسه ، وعلي تعليمها وتثقيفها .. فبعد خمسين عاماً من التدخين أصبح صلاح منتصر أشهر المقاطعين للتدخين ، وأشهر المحاربين له .. وصلاح منتصر ، تاريخياً ، هو أول رئيس تحرير مصري يتخلي عن موقعه عندما بلغ السن القانونية ، ورفض التجديد له ولو يوماً واحداً . شخصية الكاتب الصحفي صلاح منتصر ، وكتاباته ، تعتبر مثالاً يجب دراسته بعمق من دارسي الإعلام وممارسيه .