شكرا ياجدو يا معلم..توقيع:أحفاد الفراعنة هذا ما كتبناه بالحرف..ونشر في هذا المكان الأسبوع الماضي قبل المباراة بساعات طوال! واحد يسألني: انت كنت عارف النتيجة قبل المباراة يا كابتن؟.. أقوله بكل تواضع: ما تحرجوناش بقه! نجحت الكورة فيما لم تنجح فيه السياسية. ولا المرشحون الذين يستعدون من الآن لخوض المعركة الانتخابية البرلمانية المقبلة، فقد وحدت كرة القدم خلال بطولة كأس الأمم الإفريقية التي اختتمت مؤخراً بين الطوائف والطبقات والفئات العمرية. رأينا خلال الأوقات التي أقيمت فيها مباريات البطولة - ولا سيما مباريات الفريق القومي المصري - رأينا الشوارع خالية من المارة، وفي المقاهي يجلس شباب الجامعات إلي جوار عمال المصانع والشركات، وموظفو المصالح ، وفي المنازل اجتمعت الأسرة - ربما بعد طول فرقة - الأب والزوجة والأبناء، أيديهم علي قلوبهم كلما اقترب مهاجم افريقي من حصن "الحضري" واقفين علي أقدامهم، رافعين أيديهم إلي الرءوس كلما بدأت (مصر) هجمة منظمة في اتجاه المرمي، مهللين ،صارخين: محتضنين بعضهم البعض مع كل (هدف) تحرزه (مصر). أسفل شرفة منزلنا الذي يطل علي واحدة من الكنائس الكبري، وإلي جوارها مسجد يعد تحفة في طرازه المعماري، اجتمع جرجس ومحمد، شادية ولينا، علي ومينا، منال وميرا، هكذا استمع إليهم وهم ينادون بعضهم البعض ، من اجل الطواف بشوارع مدينة نصر ، مزينين سياراتهم بعلم مصر، ملوحين بشعار النصر. لا أدري كيف حدث هذا، ولكني أدرك أنني كنت مشدوداً لأن أفعل ما فعلته، فالحدث كان كبيرا وأنعش بداخلنا الأمل ومزيدا من الثقة بالنفس، وتجديدا لعشق الوطن. سهرت مع أشقائي وشقيقاتي المصريين الذين ملأوا الشوارع، وحتي ساعة متأخرة من الليل.. تركت نفسي لحضن كبير يضمني بالأهل وبالوطن. كنا في اشتياق لأن نتذوق طعم الفرحة، التي جاء لنا بها وحوش إفريقيا .. أحفاد الفراعنة. وعلي الرغم من انغماسي في الحدث، واستغراقي فيه حتي النخاع، إلا أنني كان لدي دوافع عديدة لتأمل نوعية الناس - المصريين - الذين شاركوا في أطول وأكبر موكب عرفته مصر منذ احرازنا لنفس البطولة عامي 2006 و2008، وأستطيع - كمراقب وشاهد - أن أجزم بأن مصر كلها كانت مشاركة في الحدث ومتذوقة لطعم الفرحة. مصر الاسلامية والقبطية والعربية والإفريقية والمؤثرة عالميا، مصر بكل أطيافها خرجت إلي الشوارع الرئيسية تعلن عن فرحتها..قال لي صديقي حسام الذي خرج قبل المباراة بساعات من عملية جراحية أنه سيأخذ ابنته الطفلة "جمانا" 4سنوات ويلون وجهها بعلم مصر، ويلقي بها في أحضان المصريين في شارع جامعة الدول العربية، بعد ان سألته ابنته: يعني إيه مصر..التي تجعله يقفز باسمها..ويتنطط من أجلها فرحا وخوفا ودعاء وابتهالا..عندها حق جمانا..وأنا شخصيا كثيرا ما سألت أصدقائي الشعراء الكبار: سيد حجاب، جمال بخيت،والعظيم الراحل أحمد شفيق كامل، و الرقيق المبدع فاروق جويدة، والمطربين الحلو والحجار ومنير وثروت، سألتهم بجد، وكدت أحب علي أيديهم: يعني إيه مصر يا عمو.. ما سر هذه الساحرة التي تلهب قلوب المصريين.. يشتكوا ويزعلوا ويتقمصوا..ويتاخدوا مخالفات، ثم يهتفون: مصر..مصر.. تحيا مصر. .. وسهرنا حتي الثانية فجراً تقريبا، ولا يمكن لمن شارك في هذه الفرحة أن ينظر في ساعته ، حيث تجمع عشرات الالاف من المصريين بعد الموكب أمام محلات العصائر والمولات وفي الميادين الهادئة، تعلو وجوههم الفرحة، وتلتف حول أجسادهم أعلام الوطن التي شهدت رواجاً ما بعده رواج، وفي السياق أو خارجه، نذكر أن هذه رسالة لكل من تسول له نفسه أن يعبث بمقدرات الوطن. ورسالة تحذير صارخة إلي كل حاقد يتصور - أو يتوهم - أن شعب مصر انكفأ حول ذاته،أو أن انتماءه لبلده قل.. جاء رد الشارع المصري مزلزلاً، مهيبا.. هؤلاء هم المصريون الذين يلتفون حول العلم والرمز، مهما كانت خلافاتنا الداخلية، ومهما كان النقد لاذعاً لبعض الأوضاع، ورغم كثير من الصعاب التي تواجهنا في حياتنا اليومية، ولكننا جميعا مصريون، منتمون، نقف من خلف قادتنا، وننظر إلي ما تحقق بالرضا. وإلي ماهو قادم بالتفاؤل والأمل. ودمعت عيناي وأنا أتابع عبر الشاشات احتفالات الجاليات المصرية والعربية في الغربة..مصر تستحق أن تتذوق طعم الفرحة، مصر تستحق ماهو أكثر.