داهمتنا جميعاً انتصارات الكرة، فتأجلت أمور لم يكن لها أن تؤجل.. نعود إليها تدريجياً.. وعذرنا أن الجميع كان مشغولاً بكرة القدم مثلنا.. وهذا اعتذار للموضوعات وقضاياها وللقارئ الذي كان علينا أن نحيطه بها. في يوم 52 يناير، وضمن احتفالات الشرطة، أدلي وزير الداخلية حبيب العادلي بحواره التقليدي السنوي للإعلامي مفيد فوزي.. في برنامج "حديث المدينة".. وقد تناول الحوار مسائل متعددة.. من اختناق المرور إلي تجفيف منابع الإرهاب.. مروراً بالفتنة الطائفية ولا شرعية عمل الإخوان.. غير اني أتوقف عند معني "الدولة البوليسية" الذي يلاحق الدولة إعلامياً.. ويشن عدد من المعارضين هجوماً سياسياً به.. متهمين جهاز الأمن بأنه يتدخل في كل شيء في البلد. وقد يكون نفي الوزير القدير لهذا المفهوم "الدولة البوليسية" متوقعاً.. واصفاً دور أجهزة الأمن بأنها تحمي الاستقرار.. والشرعية.. هذا كلام طبيعي أن تجده علي لسان حبيب العادلي.. لكن الحوار تطرق إلي مسألتين أخريين.. أدتا الي ترسيخ هذا المعني بطريقة غير مباشرة.. وهما اللتان أجد أن علي أن أتوقف عندهما. المسألة الأولي حين سأل الأستاذ مفيد عما إذا كانت قرارات الجهات التنفيذية في قبضة الأمن؟ وقال الوزير: هذه ليست وظيفة الأمن.. ولكن هناك جهات تنفيذية تريد أن تسأنس برأي الأمن.. فيقول الأمن رأيه.. فإما تأخذ به أو لا تأخذ.. أما إذا رأي الأمن أن هناك أمراً يتعلق بالمصلحة العليا للدولة فلابد أن يكون له رأي. انتهت إجابة الوزير.. وفيه توصيف للموقف بدقة.. ولست أعتقد أنه يمكن لجهاز أمني أن يجد عنصرا منتميا لتنظيم القاعدة في الولاياتالمتحدة قد أصبح مسئولاً عن مهمة ما في الادارة الأمريكية ويمكن أن يسكت.. ولا أظن أن حكومة ساركوزي ولديها موقف من مسألة النقاب قد تقبل مثلا أن يعين أحدهم في أي مدينة سيدة منقبة في موقع عام بارز.. كما لا أظن أنه يمكن لمصر أن تقبل تعيين شخص ضد سياستها الخارجية ومناصر مثلا لإيران في سفارة مصرية. هذه مسائل بديهية.. ليست فقط علي مستوي الدول.. ولكن حتي علي مستوي الشركات والمؤسسات الخاصة.. كل شركة لديها آلياتها الآن في الحفاظ علي أمنها. وحين تطلب مؤسسة ما توظيف شخص ما فإنها تشترط عليه إحضار صحيفة الحالة الجنائية، في هذا الوقت لا يعني ذلك أنها شركة بوليسية.. بل تتأكد من عدم دس مجرمين سابقين بين صفوفها.. لمصلحة العمل. ومن المؤكد أن هناك مواقف تستوجب استطلاع رأي الأمن قبل الجهات التنفيذية.. وفي أحيان كثيرة لا يحدث هذا وتكون هناك مشكلات.. وفي أحيان كثيرة أخري تجد أن الجهات التنفيذية تلقي بعبء عدم تنفيذها مسئولياتها علي المبررات الأمنية التي قد لا تكون موجودة.. ويكون هذا تبريراً لقصور تنفيذي أكثر من كونه درءاً لخطر أمني.. وتلك نقطة تحتاج إلي إعادة نظر من الحكومة. المسألة الأخري التي أدهشتني في إجابات الوزير في الحوار هي أنه لم يجد غضاضة في أن يتردد اسم هذا أو ذاك في ترشيحات الصحافة لانتخابات الرئاسة سنة 1102.. قال الوزير: "هذا حراك سياسي.. لا يزعجني سماع اسم البرادعي أو عمرو موسي.. هما مصريان.. والانتخابات لها شروط.. والشق الأهم هو كلمة الشعب..".. واضاف: "كلاهما تم تقديره من الدولة.. البرادعي نال وسام النيل.. وموسي كان وزيراً والدولة هي التي رشحته لمنصبه.. والذين يرددون هذا إنما يتصورون أنهم يصنعون إثارة للقيادة السياسية التي هي أكبر من هذا بكثير". والاجابة لا تحتاج تعليقا من جانبي.. وهي تعبر عن طريقة تفكير الداخلية في الأمر.. تلك المنسوب لها أنها مسئولة عن مواصفات الدولة البوليسية.. والأهم أنه تلي ذلك في الحوار تجديد لدور الوزارة في الانتخابات البرلمانية: "دور قانوني ودستوري.. إعداد الكشوف وتحديد الدوائر وتأمين الانتخابات".. وهذا موقف مهم أن نرصده في بداية عام سياسي يسخن وسيكون ملتهباً. المسئولية الأمنية التي تقع علي الداخلية في عام من هذا النوع كبيرة بالتأكيد.. والمهام الملقاة علي عاتقها لحفظ الاستقرار الذي يحمي قرار الشعب الانتخابي: تصويتاً ودعايةً وتطبيقاً للنتيجة.. هي مهام منهكة ولكن الداخلية قادرة عليها.. وسوف تمضي بالتأكيد نحوها.. بغض النظر عن حملات عديدة سوف تصفها بأنه مسئولة عن "الدولة البوليسية". الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net البريد الإليكتروني: [email protected]