لم نجد أصدق من هذا المثل الشعبي دلالة في التعبير عما نطرحه في هذا المقال عن وضع وحال الجهلاء والعملاء الذين يرون أن في الاستعانة بأمريكا الخلاص من كل ما تعانيه مجتمعاتهم من مشكلات وأزمات علي كل المستويات، خاصة فيما يتعلق منها بمجال الديمقراطية والحريات، بل إن هذا المثل يصدق علي الجهلاء والعملاء في كل زمان ومكان، وعبر العصور، فكل الشواهد والحقائق التاريخية تؤكد فشل كل من يحاول الاستقواء بالقوي الأجنبية في مواجهة معاناة الداخل، حيث إن محصلة هذا الاستقواء هي الخراب والدمار لهذا الداخل، وهيمنة قوي الاستكبار والاستعمار علي مقدرات الشعوب، بفعل سفه هؤلاء الجهلاء وتآمر العملاء علي شعوبهم، بل تدور الدائرة علي هؤلاء الجهلاء والعملاء من قبل هذه القوي الخارجية حيث إنهم في نظر هذه القوي ليسوا أكثر من خونة لبلادهم. ولسنا بحاجة إلي الإطالة في هذا المجال، فالتاريخ مليء بعشرات الأحداث والمواقف التي تؤكد هذه الحقيقة وفي كل مكان، خاصة في المجتمعات التي ابتليت بمثل هذه العناصر وعانت طويلاً من الاستعمار، ولن نذهب بعيداً أو نقوص في أعماق التاريخ، وفقط نشير إلي ما حدث مؤخراً في أفغانستان والعراق وفي السودان والصومال وما يتوقع أن يحدث في اليمن و ما هو حادث الآن في باكستان، والقائمة طويلة خاصة علي جبهة البلدان العربية والإسلامية. وهذا ما يحاولون القيام به وهيهات لهم ما يحاول أن يقوم به هؤلاء الجهلاء الأغبياء الذين يعيشون بيننا ممن يرتدون مسوح المصلحين والدفاع عن المظلومين والمضطهدين ويرفعون شعارات حقوق الإنسان والمطالبة بالحرية والديمقراطية، ومن خلال المصالح المتبادلة يستغلون الإعلام بصحفة وفضائياته والتي من خلالها يصدرون التصريحات والبيانات العنترية ويظهرون علي الشاشات بوجوههم القبيحة الكالحة لإهالة التراب علي مصر التاريخ والحضارة، والنيل من شعبها ووحدتها وأصولها بل ثوابتها والزعم الكاذب باضطهاد المصريين من الأقباط والمطالبة بتدخل قوي الهيمنة والاستكبار لتخليصهم مما يعانونه من اضطهاد وظلم وقهر ويدعون زيفا وكذبا أنهم وطنيون في حين لا ينتمون إلا للدولار والمصالح الخارجية. لكن وهو الأمر الذي لا يقل خطورة عما سبق، وهو وجود لبعض الذين يمكن وصفهم بأنهم يتصرفون بحسن نية في التعامل مع ممثلي قوي الهيمنة والاستكبار، ويرون أن ما يقومون به إنما ينطلق من روح التسامح والمحبة ولا بأس من الحوار مع الآخر ولو كان شديد العداوة لنا، وهذا البعض يضع نفسه في المواقف المحرجة، بل التي لا تليق بوضعه وسمعته، بل يمكن أن يورط المؤسسة التي يترأسها أو الجهة التي ينتمي إليها. وبالطبع لا نتحدث هنا عمن يتعاملون مع قوي الهيمنة والاستكبار من منطلق أيديولوجي يتبناه ويري في أمريكا الرأسمالية الخلاص للبشرية مما تعانيه من أزمات ثقافية واقتصادية، بل لا بأس لديه من أن تكون الثقافة الأمريكية بكل لهوها وعبثها هي ثقافتنا في ظل العولمة وتيارات ما يعد الحداثة. ومثل هذه الفئة تعلن عن نفسها أحياناً وتحت مصالح وحسابات معينة يمكن أن تعمل في الخفاء وعلي استحياء وإن كان في المحصلة لا يتبرأ من أنه من الدعاة للتطبيع مع الصهاينة وأنهم دعاة الليبرالية أو علي الأقل من الليبراليين الجدد وإن قلت من المتأمركين الجدد فأنت أيضا علي صواب. إلي آخر هذه الفئات والنوعيات من الجهلاء والعملاء والأيديولوجيين ومن يتصرفون بحسن نية، وهم وإن كانوا يتواجدون في كل زمان وفي كل الأحداث إلا أنهم فرضوا أنفسهم وبقوة في ظل الأحداث الأخيرة التي وقعت في نجع حمادي، وما أعقبها من حضور ما يطلق عليه زورا وبهتانا زيفا وخداعاً لجنة الحريات الدينية الأمريكية التي جاءت إلي مصر والتي من المخجل والمؤسف وجدت من يستقبلها ويجيب عن استجواباتها وأسئلة التحقيق التي تطرحها حول الأحداث ومجمل أحوال قبط مصر، نعم التحقيق الذي تقوم به تحت عنوان استجلاء الحقيقة والمساعدة في رفع الظلم والاضطهاد المزعوم الذي يعاني منه المصريون من قبط مصر إلي جانب تلك الأصوات العقيمة الصادرة من الداخل وتلك العمالة المتمثلة في المظاهرات باسم قبط مصر أمام السفارات المصرية في الخارج، وكلها تنضح عمالة وخيانة لمصر وللمصريين من القبط والمسلمين. ويبقي السؤال: عن أي حرية دينية أو اضطهاد تتحدث عنه أمريكا الإرهابية العنصرية، والإجابة ومن خلال عشرات التحليلات والدراسات الصادرة عن علماء وباحثين غربيين إن أمريكا نفسها تفتقد كل مقومات الديمقراطية والحرية بالنسبة لمن يعيشون فيها من غير الأصول الغربية بل تقوم بعمليات تزييف لوعي الشعب الأمريكي من خلال الإعلام الذي يتعامل مع هذا الشعب كالقطيع علي حد تعبير المحلل الأمريكي ناعوم تشومسكي، أما في التعليم فإنه علي حد تعبير كيفن هاريس إنما يعمل علي تشويه وتزييف الوعي لدي المتعلمين ليسهل استقطابهم والسيطرة عليهم من قبل الرأسمالية المتوحشة. باختصار أمريكا لا تعمل إلا لمصالح هذه الرأسمالية والهيمنة والسيطرة واختراق الشعوب في كل الميادين والمجالات تحت شعارات خادعة مزيفة، كالحرية والديمقراطية وغيرها من الشعارات التي لا تستهدف من ورائها إلا الخراب والدمار للشعوب والقضاء عليها سياسيا واقتصاديا وثقافيا والمحصلة لمن يتعاون معها ويستقوي بها لا تتعدي دائرة الصفر أو قل حسب المثل الشعبي المتغطي بأمريكا عريان. وفي خضم هذه الأحداث وردود الأفعال لابد من الإشادة بموقف رأس الكنيسة القبطية في مصر وهو وليس غيره البابا شنودة صاحب المواقف الوطنية والقومية البطلة، والذي رفض أن يقابل هذه اللجنة قبيحة الوجه أمريكية التوجه والهدف، وهو وليس غيره صاحب عشرات المواقف الداعمة للوحدة الوطنية ووأد الفتن الطائفية في مهدها والارتقاء بموقف الكنيسة القبطية في كل الأحداث والمواقف، ولما لا وهو صاحب المقولة المصرية إن مصر تعيش فينا قبل أن نعيش فيها.. فمصر قبل وبعد الأديان، والدين لله والوطن للجميع، لأنها فقط مصر وكفي هذا مبررًا!