إعلامنا الرسمي التابع للدولة ضعف دوره، ويكاد يعلو علي صوته ،صوت قنوات أصحاب رؤوس الأموال الذين لايكتفون بالتحكّم المالي والاقتصادي والتزاوج مع الحكم. فتطلّعوا إلي عناصر التحكّم الذهني والتشغيل الذهني والتلقين . وفي كلّ خطوة مكسب، والإعلانات بملايين الجنيهات تتوفّر لها فرص المشاهدة أكثر مع من وظّفوا الحرّية في نقد وتفنيد الأفكار والمواقف وقد أصبحت حكوماتنا مصدرا لكلّ الشرور،وأخطر مانعيش فيه أن تدير الفضائيات مصر ! استغني التليفزيون المصري عن قناة التنوير ،التي كانت تستفيد من مناخ الحرية في كشف الوصاية يفرضها الكثيرون علي الإنسان المصري من الدين إلي السياسة إلي الثقافة إلي الكوارث. وبرنامج القناة لم يكن معقّدا :كلّ طريق طوله ألف ميل يبدأ بخطوة واحدة! وسوف تستمرّ الأوضاع السيئة حتّي تثبت قوي التحرير رسالتها إلي الجماهير . وليس من الضروري أن ننتظر حتّي تستيقظ النّاس إنّما هو أمر حيوي، اكتساب مهارات التقييم المضبوط الذي تصبح فيه المواجهة مع أخطاء الحكومة راشدة وممكنة . ظهرت فضائياتنا الخاصّة وفي نفس الوقت هطلت علي شاشاتها الكوارث البشرية والطبيعية التي أصابتنا وتكثّفت علينا في بضع سنين .،وبتوليفة غاشمة وفي مناخ من حرية التعبير، أصبح صعبا الإفلات منها أو التصرّف إزاءها إلاّ بواسطة أجهزة عقلانية قادرة علي مواجهتها. ومن غرق العباّرة 98إلي الدويقة إلي أزمة الخبز إلي انفلونزا الطيور والخنازير إلي حريق مجلس الشوري إلي كوارث السيول .. إعلامنا لايعرف الفرق بين أن نبصر وندقّق في مواقف الأجهزة وقوانا القادرة وبين تغذية الإثارة الانفعالية والصدام البشري. لاتعني المجابهة الشجاعة والمسئولة مع المؤسسة الحاكمة تكريس الخصومة والعداء ونحن نمطّ ونمدّ ونؤلّف الحلقات ونختلق الاستباقات حول التفاصيل إمعانا في النشاط. وكلّ قناة سيفوتها كسب الانتشار واكتساب المال. ياسلام علي الحرص علي مصالح النّاس يتجلّي في التعليق المشوب بالاستنكار أو التريقة علي إعلان خبر زواج رئيس الوزراء ،وليس موقفا يمسّ إهمال الحكومة أن نبرز أنّ أحمد نظيف سافر إلي العريش لمراعاة المتضرّرين وهو يرتدي ملابس أنيقة، ولا أنّ الجماهير المتضرّرة اضطرّته أن يغادر مسرح مواساتها أو مساعدتها بعد خمس دقائق. لم يظهر علينا أي مذيع أو محاور وهو يقدّم أفظع الكوارث وهو يرتدي ملابس مرتّقة وأحذية مقطّعة. وحكايات كثيرة وتفاصيل لاتشكلّ موقفا للتبصّر والعقلانية ضد تصرّفات معينة أوردّا علي أفعال في جريمة مقتل الأقباط الستّة في نجع حمادي. ماذا علينا أن نفعل لنبطل هذا النوع من الإعلام وأتباعه؟ بمعني ما تعني مواجهة الكوارث قدرتنا علي التنبّؤ بالمستقبل ، وهذه القدرة يحدّها ويشغل عقولنا عن الاهتمام بها مايشغلنا به أيضا إعلامنا بما يحشده من برامج الخرافات وتفسير الأحلام والفتاوي وأحاديث عذاب القبر وأنّ الكوارث والتي لاتقع غالبا إلاّ علي رؤوس الفقراء ماهي إلاّعقاب من السماء علي ما يرتكبه البشر من آثام ! ولتكييف انفسنا ،من الخطر أن نتجاهل ما يتحدث عنه العالم اليوم من احتمالات ارتفاع منسوب البحر وما يهدد الدلتات من غمر بالمياه، أو التغير البيولوجي بسبب حزام الأمطار. وتأثيرات ذلك لا يمكن لعقل أن يتخيلها لأن هناك أفكارا اليوم مفادها أن الكوارث الطبيعية ومنذ مؤتمر قمّة الأرض في ربو دي جانيرو تحتاج إلي اهتمام عالمي. واحتضنت جنيف ما بين 5 و 7 يونيو 2007 الجلسة الأولي للحد من أخطار الكوارث الطبيعية بحضور أكثر من 600 ممثل عن حوالي 100 دولة من بينهم مصر. لمناقشة انجع الطرق للحد من الكوارث الطبيعية واستعراض ما يتخذ علي المستوي الوطني من تقنين وتحسيس وتكوين. وأتت كارثة تسونامي لترغم الدول علي التحرك لمراجعة ودراسة موقفها من الاستعداد لمواجهة الكوارث الطبيعية. غير أن إعلامنا الذي لايحس بتأنيب ضمير، أو الخوف علي فقد مصداقيته، يتباكي غالبا أثناء الكارثة وبعد وقوعها . والهدف هو إشعال الخصومة وليس مواجهة إدارة الأزمات والكوارث برئاسة مجلس الوزراء ! أين الخطوات المتخذة علي مستوي مصر ؟ هل نحن مازلنا في مرحلةالتحسيس ؟ وأعطي ظهرك للترعة والإعلانات الدعائية الفكاهية للحدّ من التكاثر والارتفاع الأسّي في عدد السكّان ؟ أم أننا بصدد اتخاذ الخطوات العملية لتشكيل اللجان المهتمة وتكوين الإطارات؟لقد مررنا في بضع السنوات الماضية بعدد من الكوارث تعد إنذارات تنبّهنا لدراسة كيفية تنظيم أنفسنا حتي ننجح في التعامل مع الكوارث الطبيعية. أولا: النجاح في التقليل من احتمالاتها وبعد ذلك النجاح في الإدارة السلمية لها، في حال وقوعها لا قدر الله، والتقليل من تأثيراتها. علي هذا الأساس تحاسب الدول التي تنوي حلّ مشاكلها الوزراء والمحافظين ، تطالبهم بالاستقالة، أو تشيد بجهودهم . ولا أنسي أن أنوّه أنّنا لو نعيد النظر في الحوادث الإرهابية التي وقعت في لندن، لوجدنا ان المصابين الانجليز الناجين من حادث مترو الأنفاق كانوا يخرجون في طابور الواحد بعد الآخر،وقد أجابوا بأنّهم تعلموا وتدرّبوا علي ذلك منذ ان كانوا في المدرسة. ونحن ما زال الطريق أمامنا طويلا ، ننزل ونصعد المترو في الظروف العادية وفي تزاحم وتصادم في نفس اللحظة.