فيما يبدو أن البرامج الحوارية في معظم الفضائيات قد انتقلت من مربع العمليات الإعلامية الذي يشهد تشكيل وجدان الشعوب وضمائرها إلي ساحة لوأد الأمل ونثر بذور الإحباط وإشاعة جو من التشاؤم العام عندما أجلس لمتابعة تلك البرامج أجد أن الموضوعات والضيوف قد تم انتقاؤها علي أساس أن هناك رأيا متشائما وآخر أكثر تشاؤما وعلي الطرف الآخر من النهر يظهر فريق آخر يحمل مباخر وزهوراً صناعية ولا يعرف من الكلمات إلا المصبوغة في الألوان الوردية ويتم اختيار الموضوعات والضيوف علي أساس أن هناك رأيا متفائلا وآخر أكثر تفاؤلا يخيل إلي أنني أسكن في غرفة وهناك مأتم وجو جنائزي في الغرفة المجاورة عن يميني أما الغرفة التي علي يساري ففيها عرس وجو احتفالي بهيج وأنا أجلس في حيرة من أمري هل أذهب لتأدية واجب العزاء أم أسارع للمشاركة في الأفراح والليالي الملاح بيد أن الوضع الراهن للبرامج الحوارية يقترب كثيراً من هذا التخيل صراخ وعويل ومرثيات حزينة يقابلها ويتزامن معها مباخر وأفراح وتهليل وبين هؤلاء وهؤلاء وطن يحتاج إلي قولة حق ولحظة صدق هذه الكلمة هي أن مصر بخير لكننا نحتاج إلي استنهاض الهمم وإعلاء القيم من أجل مستقبل نرجوه جميعا ولإنني آليت علي نفسي أن أجعل من هذا المنبر صوتا وطنيا لا يتلون ولا يؤمن إلا بمصر مكانا ومكانة فقد آثرت وقد أغرتني آفاق الحرية أن أدعو بني وطني أن ينفضوا غبار النوم عنهم وأن يستيقظوا مؤمنين بإمكانيات وطنهم مستبشرين بمستقبل مشرق ولكن هل تكفي الأمنيات وهل يكفي الاستبشار؟ إننا في حاجة إلي استنفار القوي الكامنة واستنهاض الهمم النائمة لكن هذا أبدا لن يتأتي ولن ينمو ويتحقق وسط هذا الجو الخانق لكل بذور الأمل والتفاؤل عندما تابعت الكاتب والشاعر فاروق جويدة ضيفا علي الإعلامية مني الشاذلي شعرت بخيوط الإحباط تنسج أمام عيني تملكني شعور جارف بأن السواد بات يغلف الأجواء كلمات قاسية ومشاعر غاضبة وهجوم قاس مزعج الحقيقة لم أكن غاضبا من فاروق جويدة لأنه يقول حقا أو باطلاً.. أبدا لم تكن تلك القضية موضع اهتمامي لكني كنت أشعر أن الكلمات خانقة محبطة مزعجة بصرف النظر عن صحتها من عدمه كنت أتابع برنامج 90 دقيقة والبيت بيتك والقاهرة اليوم وعشرات البرامج الحوارية التي يتلذذ معدوها ومقدموها بتقديم كل ما هومحبط ويدعو لليأس والإحباط إنني أدعو هؤلاء إلي صناعة موجة الأمل والتفاؤل الحقيقي وغير الكاذب عبر نشر ثقافة العمل والإنجاز والإنتاج وإعلاء قيم العلم والنجاح وتقديم النماذج المشرفة التي يمكن أن تتحول إلي قدوة في وقت غابت فيه القدوة إن الإعلام دائما ما يلهث وراء الأحداث وتبدأ التحليلات والمتابعات دون تقديم الحلول لكن كان أحري بالإعلام أن يبدأ في بناء الشخصية المصرية من جديد. إن الإعلام دائما ما يحاول أن يركب الموجة وكان عليه أن يصنعها بنفسه هو يركب موجة شوبير ومرتضي أو هبة ونادين أو هشام طلعت مصطفي وسوزان تميم أو يحيي الكومي وخلود العنزي أو مذبحة بني مزار وقصص الفساد وضبط رجال الأعمال ومغامرات الرقابة الإدارية وفوضي الشارع المصري والقضايا الأخلاقية التي تنتشر بطول البلاد وعرضها هذا الكم من الفساد حول المجتمع المصري إلي ما يشبه الغرفة المظلمة لابد من تغيير الخطاب الإعلامي ليتحول إلي خطاب فاعل ورائد يقود المجتمع ويصنع له موجات من التفاؤل والأمل الحقيقي غير الكاذب.