من الصعب أن تختار قصة أو رواية واحدة وتقول أنها الأشهر أو ال (Masterpiece) أو حتي الأقرب لك كقارئ من أدب إحسان عبد القدوس.. فمعظم رواياته - إن لم تكن جميعها - علامات بارزة وإضاءات متميزة في مجالات متنوعة في الأدب المصري المعاصر.. وإذا كنت قد اخترت عنوان رواية (لا أنام) فليس لأنها أفضل ما كتب، فهي واحدة ضمن الكثير، ولكن لأنني طالما تأثرت بالفيلم الذي أخذ عنها وكانت بطلته (فاتن حمامة).. (إحسان عبد القدوس) كاتب لم يعش في زمنه الصحيح بل عاش ومات قبل أن يأتي الزمن المناسب له.. ففي إحدي المناقشات مع الطالبات في الجامعة سألتهن ماذا يقرأن.. ولن أذكر سوي إجابة واحدة من إجاباتهن التي جاءت معظمها مخيبة للآمال فيما عدا الفتاة التي قالت أنها تقرأ إحسان عبد القدوس.. مما جعلني أفكر ما الذي يجعل هذا الجيل الجديد جدا جدا يقرأ روايات عبد القدوس الذي توفي منذ عشرين عاما.. من الواضح أن إحسان الذي تربي بين أم لبنانية متحررة وأب مصري من أسرة متدينة ومتشددة وكان ينتقل من دروس الدين إلي ندوات المتحررين كان صورة لمصر في القرن الحادي والعشرين.. وهو نفسه يقول: "كان الانتقال بين هذين المكانين المتناقضين يصيبني في البداية بما يشبه الدوار الذهني حتي اعتدت عليه بالتدريج واستطعت أن أعد نفسي لتقبله كأمر واقع في حياتي لا مفر منه".. وظهر هذا التعايش السلمي في روايات إحسان التي غالبا ما يكون الصراع فيها داخل الشخصيات أكثر مما هو خارجها.. حتي أنهم (لا ينامون)، ويتناسبون تماما مع المعاصرين.. وكان ينظر لروايات إحسان في وقت مضي علي أنها خليط من السياسة والإباحية.. وعلي أنه كاتب جريء يتناول الحب من منظور جسدي فقط.. ولكن تلك النظرة تطورت لتصدر دراسات أكثر حداثة تتناول إحسان عبد القدوس وأدبه بنظريات أكثر جدية.. لذلك تمت دراسة بعض أعماله من وجهة نظر (فرويد) مما أظهر صراعات أبطاله في إطار يجمع بين النفس والجسد.. ولا أدل علي هذا من (لا أنام) وعقدة (إلكترا) الشهيرة في علم النفس الفرويدي وإسقاطاتها الواضحة في الرواية.. أما اتجاهات إحسان عبد القدوس الليبرالية التي كانت في بعض الأحيان صارخة كما اعتقد البعض فكانت هي الأخري سابقة لأوانها ومكانها.. وما زالت.. فمن سيقبل - حتي الآن - أفكارا تشمل المساواة التامة بين كل البشر حتي في إطار الرحمة الإلهية؟ ومن سيتعاطف مع أفكار إنسانية سامية تدرك جيدا الفصل التام بين الاتجاهات السياسية والوطنية من ناحية وحب البشر الذين ينتمون لأفكار واتجاهات مختلفة تماما لبعضهم البعض من ناحية أخري؟ ومن يدرك - حتي في زمننا المعاصر هذا - أن المرأة إنسان متكامل يثري حياة الرجل كما يثري الرجل حياة المرأة ليتكاملا في شكل الحياة الإنسانية السوية؟ كانت هذه بعض أفكار إحسان عبد القدوس الذي بالرغم من أنه قد نال التقدير في حياته، وما زالوا يكرمونه بعد مماته في احتفالية مؤسسة روز اليوسف هذه الأيام، لابد أن تعاد دراسة أعماله من منظور جديد..