الحادث الاجرامي الذي وقع في نجع حمادي بصعيد مصر وراح ضحيته عدد من الأقباط ليلة الاحتفال بعيد الميلاد المجيد أحدث صدمة بين المصريين جميعا وخلق حالة من الاستنكار الشديد لم يخفف من آثارها - بعد - سرعة القبض علي الجناة وتواتر إحالتهم إلي محاكمة عاجلة. السبب في حالة القلق التي سادت منذ وقع الحادث أن الحالة التي نحن بصددها ليست جناية عادية مثلها في ذلك مثل حوادث الثأر أو الانتقام التي تقع لأسباب متنوعة تغذيها الثقافة السائدة. حوادث الانتقام تقع باستمرار ويكون الدافع لها متنوعا فمن شجار علي معاملات مالية الي نزاع علي ميراث الي خلاف علي فتاة أو امرأة، كما أن حوادث الثأر مألوفة في أوساط اجتماعية معينة حسب موروثها الاجتماعي. ما لدينا هو جناية ارهابية راح ضحيتها عدد من الأبرياء لكنها تستهدف أمن وطن بأكمله وتهدد وحدة شعبه، وربما تكون تقليدا لما يحدث في بلاد أخري من حولنا تستباح فيها حياة الناس تحت ذرائع شاذة وغريبة. ان رفع السلاح في وسط تجمع الأهالي المدنيين وإطلاق النار عليهم بشكل عشوائي منظر غير مألوف في مصر وخاصة عند استهداف الأشخاص لمجرد أنهم مختلفو الديانة، سواء كان عدد المصابين خمسة أو عشرة أو خمسين فالأمر سيان، ولو طالت أيديهم أكثر لقتلوا وأصابوا أضعاف هذا العدد. حين تتجه الجريمة الي اللعب في صمامات الأمن والسلام الاجتماعي، والي تحدي السلطة السياسية والقانونية والأمنية واستخدام السلاح بهذا الشكل وايقاع الضرر بالأبرياء، فلا يجب التعامل معها علي أنها جريمة عادية بأي حال. ان محل تلك الجريمة التي وقعت ليس نجع حمادي أو فرشوط، وانما محلها هو الوطن كله. المجني عليه ليس القتلي والجرحي من أهلنا في تلك البقعة من أرض مصر، وانما المجني عليه في الحقيقة هو الشعب المصري كله. لا نقبل بالتهويل في شأن الحادث كما لا نقبل بالتقليل من شأنه بزعم أنه حادث فردي ولا يرقي الي مستوي الظاهرة، وأنه لا خوف علي نسيج الشعب المصري ووحدته الوطنية، كما لا نقبل بتمييع الأمور بترديد الكلام الماسخ حول طبيعة الحادث، يصفه البعض بأنه حادث جنائي، بينما يقول آخرون أنه حادث ارهابي، ربما يكون لهذه التوصيفات دلالات عند بعض القانونيين ولكن الأمر عندي وعند معظم الناس فيما أعتقد لا يتوقف عند التوصيفات القانونية التي تفتح الطريق للتنصل من المسئولية. انما يتجه مباشرة الي صلب الموضوع. الموضوع لدينا هو جناية ارهابية راح ضحيتها عدد محدود من الأبرياء لكنها تستهدف أمن وطن بأكمله، ولا ينبغي أبدا التوقف عند الفلسفات العقيمة غير المقبولة في مثل هذه الحالات. يتحدث الناس بتلقائية شديدة عن المحرض علي الحادث، ولست أعرف اذا كان الناس يقصدون شخصا أو أشخاصا محددين استأجروا القتلة ليقوموا بهذا العمل الوحشي، أم أن المقصود هو الظرف الضاغط الدافع لارتكاب الحادث الاجرامي. علي أية حال ضمير الرأي العام يستشعر الخطر ويؤكد وجود المحرض المجهول الذي نتوقع أن تكشف عنه التحقيقات، وكذلك المحرض المعلوم للكافة في تلك القضية . الواقع أن المحرض علي الجريمة ربما يكون شخصا أوجماعة ذات صلة مباشرة بالجناة وبالتالي يمكن محاسبتهم علي جريمة التحريض، لكن هناك محرضا معلوما وليس مجهولا سبق أن حذرنا وحذر آخرون مثلنا منه. لقد حذرنا كثيرا من زيادة الميل الي العنف في المجتمع، وتزايد عمليات غسيل المخ للناس بوجه عام و للشباب والنساء بوجه خاص التي تمارسها بعض الفضائيات التي ترتع في الفضاء الاعلامي بلا رابط ولا ضابط، وشيوع الغلو والتزمت الذي يسبب الاحتقان واحتقار الآخر المختلف في العقيدة الدينية أو السياسية . وعملية الاتجار المنظمة بمعاناة الناس وظروف معيشتهم، وتسميم حياتهم واثارة البغضاء والضغينة بينهم. خطورة الاقدام علي اطلاق النار في الشارع علي المواطنين من بعض العناصر المدفوعة بدوافع اجرامية أو نوازع أخري عرقية أو طائفية أنه يكون بمثابة اختبار لرد فعل المجتمع من ناحية، ورد فعل السلطات السياسية قبل الأمنية من ناحية أخري، فاذا جاء رد الفعل حازما وقويا بدرجة كافية، انحسرت المحاولة في مهدها وارتدع المقلدون والمتربصون عن تكرار المحاولة، أما اذا لجأت السلطات الي التماس الأعذار وأحجمت عن الاعتراف بحجم المشكلة، فقل علي النظام كله السلام. أن المعالجة الأمنية والقانونية التقليدية ليست كافية في معالجة جرائم الجهل المتعمد ذات الخلفية الاجتماعية والطابع السياسي التي يستهدف المخططون لها تطويع المجتمع بالأعمال الارهابية العنيفة تمهيدا لكسر مقاومة النظام السياسي أو اغراء بعض عناصره الفاعلة الانتهازية بالانضمام اليهم باعتبارهم الجواد الرابح في النهاية. آن الأوان ليتوقف التحريض بكل أشكاله في الفضاء السياسي والاعلامي المصري، ولتكن وقفة مصرية بحق لحماية المجتمع من أخطار الثقافة المسمومة الدخيلة علي مصر والمصريين.!!