سادت بين المصريين خلال الأيام القليلة الماضية حالة من الاستنكار الشديد للحادث الأجرامي الذي وقع في نجع حمادي بصعيد مصر وراح ضحيته عدد من الأقباط عشية الاحتفال بعيد الميلاد المجيد . راح ضحية الاعتداء أيضا شرطي مسلم كان في نوبة حراسة للكنيسة التي حدث أمامها اطلاق النار العشوائي . يتردد كلام كثير بين الناس حول طبيعة الحادث ، يصفه البعض بأنه حادث جنائي ، بينما يقول آخرون أنه حادث ارهابي ، ربما يكون لهذه التوصيفات دلالات عند القانونيين ولكن الأمر عندي وعند معظم الناس فيما أعتقد لا يتوقف عند التوصيفات القانونية انما يتجه مباشرة الي صلب الموضوع . الموضوع لدينا هو جناية ارهابية تستهدف أمن وطن بأكمله ولا ينبغي أبدا التوقف عند الفلسفات العقيمة غير المقبولة في مثل هذه الحالات . أشخاص أقدموا علي رفع السلاح في وسط الأهالي المدنيين وأطلقوا عليهم النار بشكل عشوائي فقتلوا وأصابوا ما امتدت اليه وطالته أيديهم الآثمة في هجوم مسلح أودي بحياة ستة أقباط وشرطي مسلم ، ولو طالت أيديهم أكثر لقتلوا وأصابوا أضعاف هذا العدد . بعد الحادث بدأت المضاعفات التي استهدفها من خطط للحادث ، فخرج مئات المتظاهرين من المسلمين والأقباط واشتبكوا في قرية بهجورة التي تقع علي مسافة نحو خمسة كيلومترات شمال نجع حمادي قبل أن تتدخل قوات الأمن وتستعيد زمام السيطرة علي الأمور. يتحدث الناس بتلقائية شديدة عن المحرض علي الحادث ولست أعرف اذا كان المقصود أن شخصا أو أشخاصا محددين استأجروا القتلة ليقوموا بهذا العمل الوحشي ، أم أن المقصود هو الظرف الضاغط الدافع علي ارتكاب الحادث . ان حوادث الانتقام تقع باستمرار ويكون الدافع متنوعا فمن شجار علي معاملات مالية الي نزاع علي ميراث الي خلاف علي فتاة أو امرأة ، كما أن حوادث الثأر مألوفة في أوساط اجتماعبة معينة حسب الثقافة السائدة . المعروف أن المعالجة الأمنية والقانونية ليست كافية في الجرائم ذات الخلفية الاجتماعية ويتعين بحثها بتعمق والتوصية بالعلاج المناسب . أما حين تتجه الجريمة الي اللعب في صمامات الأمن والسلام الاجتماعي ، والي تحدي السلطة السياسية والقانونية والأمنية واستخدام السلاح بهذا الشكل وايقاع الضرر بالأبرياء ، فلا يجب التعامل معها علي أنها جريمة عادية بأي حال . ان محل تلك الجريمة ليس نجع حمادي أو فرشوط ، وانما محلها هو الوطن كله . المجني عليه ليس القتلي والجرحي من أهلنا في تلك البقعة من أرض مصر ، وانما المجني عليه في الحقيقة هو الشعب المصري كله.