كان للدكتور زكي نجيب محمود، فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة في القرن العشرين، اسلوب فريد في الكتابة الأدبية والصحفية ، كان أبرز معالمها أن تعبيراته وتشبيهاته أشبه بالكاشفات الضوئية وبالمصابيح التي تنير الطريق للقارئ، وتجعله قادراً علي فهم الموضوع بوضوح وبسهولة .. وكذلك كان عبدالله بن المقفع في ترجمته أو في تأليفه للكتاب الشهير " كليلة ودمنة" ، الذي استطاع أن ينقل أعقد القضايا الفلسفية والسياسية في عصره بأسلوب قصصي أخاذ ، وبطريقة أدبية واضحة ، أبرز معالمها سهولة أن يلتقط الخيط العام للفكرة كل من المثقف والقارئ العادي علي حد سواء .. وما بين عبد الله بن المقفع وزكي نجيب محمود يقف شامخاً الدكتور فوزي فهمي في مقالاته الأسبوعية الرائعة بجريدة الأهرام .. إذ يستطيع أن ينقل أعقد القضايا السياسية والفكرية بأسلوب بسيط يجمع بين المتعة الأدبية والعمق الفلسفي ، بين التفاصيل الجزئية الكاشفة والموضحة لأعقد القضايا ، وبين الأفكار الكلية المبلورة لكثير من الموضوعات الخلافية .. بين اللعب بالكلمات والتشبيهات التي تستثير الشهية الأدبية ، وبين اللعب بالأفكار والرؤي التي تستثير النزعة العقلية للقارئ.. في مقاله المنشور بالأهرام (11 يناير 2010) تناول قضية تأمين الحدود المصرية باعتبارها بوابة السيادة .. من خلال عرض موجز لقصة " صائدا الفئران" لكاتب أورجواي الشهير " أوراثيو كيروجا" .. وعرض الدكتور فوزي فهمي القصة بشكل أفقي (تفاصيل القصة) متوازية مع جانبها الرمزي والدلالي (تأمين الحدود ضرورة سياسية) .. يعرض الدكتور فهمي قصة ثعبان وأنثاه كانا يعيشان في رغد ومطمئنين في موقع محدد لهما في الغابة ، هذا الموقع كان لهما شرعية التواجد فيه بحكم التاريخ والمواءمة .. وكان أن داهمهما خطر خارجي يحاول النيل من حدودهما ومن شرعية وجودهما.. وبدلاً من العمل علي مواجهة هذا الخطر انتظر الثعبانان وقتاً طويلاً لاكتشاف الواقع ، وانتظرا أن تحدث المعجزة ويرحل الخطر بدون مواجهة .. ولكن الخطر لم يرحل ، بل إن أحد الثعبانين قد تم قتله ، وكان الدور علي أنثاه محدقاً ولكنها لم تتعلم الدرس وانتظرت حدوث المعجزة .. والثعبان وأنثاه مثلهما مثل "من ينتظر جودو" الذي لن يأتي أبداً ، ومثلهما مثل "حمار بيوردان" الذي أهلكه تردده في القيام بما هو ضروري للحفاظ علي حياته.. وفي خط موازٍ ، يلقي الدكتور فهمي الضوء علي أهمية تأمين الحدود المصرية من الأخطار القائمة ، من ناحية، والمحتملة، من ناحية أخري ، دون انتظار لحدوث معجزة تأتي من الخارج ، ودون تردد يهلك صاحبه .. الكتابة الأدبية السياسية نوع فريد من الأدب ، يجعل القارئ مستمتعاً بما يقرأ، ومقتنعاً بما يتم عرضه عليه .. وهو يحقق أهداف الأدب، والخطابة التي حددها ارسطو في " الإمتاع والإقناع" .. بعيداً عن المصطلحات السياسية الرنانة، وبعيداً عن التحليلات المضجرة للقارئ، وبعيداً عن الكليشيهات التي يتم استخدامها بشكل ممل .. والدكتور فوزي فهمي نموذج للمثقف الذي ينير الطريق أمام قارئيه ، وهو أيضاً مدرسة في فن الكتابة السياسية بشكل أدبي رفيع .