كتب : طاهر البهى كنت قد وعدت بناتي وزوجتي بقضاء نزهة نهاية الأسبوع الذي يسبق امتحانات منتصف العام الدراسي كتعويض لعدم تمكننا من قضاء سهرة رأس السنة في أحد الفنادق الكبري، بسبب عدم وجود فلوس "فكة"، فقد كانت تكلفة السهرة أربعة آلاف جنيها فقط بسبب وجود واسطة لي داخل الأوتيل، حيث إن صديق الدراسة يعمل هاوس كيبر وبالمناسبة فقد تنبأ أحد أساتذتنا في الجامعة بأن كل واحد منا أنا وصديقي سوف يمسك حتة كبيرة أوي في البلد، وبالفعل فان صديقي يمسك وحده نصف دور في الفندق هو مسئول عن نضافته، وقد كان هذا الصديق مرشحا للإنضمام إلي أسرة هيئة التدريس بالجامعة، إلا أن ظروفا خارجة عن ارادته جعلت زميلة تأخذ مكانه؛ المهم أن الفكة حالت بيني وبين قضاء السهرة مرتديا الطرطور، حيث إنني احتفظ بأموالي فئة الخمسة آلاف جنيه، مع كيس من الجنيهات الصفيح يتوسطهم مغناطيس حتي يتماسكوا ويشد بعضها بعضا، حتي أنني أثناء شرائي لعلبة جبنة مثلثات، ألقيت بالكيس كله في وجه البائع قائلا له، خذها يا رجل وبعني إياها! المهم أنني كان لابد وأن أتصرف بسرعة في موضوع قضاء الإجازة، حتي لا أفقد ثقة العيال .. وكان علي أن أفكر في نوع من الاجازة لا تتعدي مصروفاته كيس الدنانير..ورحت أفكر ثم أفكر..هم يعشقون الاسكندرية، وأنا اكتر.. ولكن مش عايزين نبات في فنادقها المور اكسبنسف.. وشواطئها التي تحتاج الي كيسين دنانير من أجل واحد آيس كريم بمعلقتين، وواحد شاي بارد وحجر شيشة عجمي، تشتهر الاسكندرية بكثافة الدخان الخارج من الفم والأنف من جراء حجر الشيشة السالك(!)، أما أنا فلا أتناول أية مشروبات علي البحر في حال كوني الدافع للريسيت، خاصة انني من النادر أن أصادف صديقاً في الثغر لديه القدرة علي شيل الليلة.. يعني دفع الحساب! وها هي الفرصة تلوح لقضاء إجازة نهاية الأسبوع في المدينة التي أعشقها، وأتمني دائما قضاء أيام بها ما سمحت " الميزانية " بذلك، خاصة بعد الارتفاع الجنوني لأسعار الإقامة بفنادقها التي تتيح لك رؤية دائمة لبحرها الساحر، بعد أن عادت له نظافته ونقاء أعماقه.. فقط كان علي أن أخيف بناتي من المبيت في الاسكندرية، وجربت أن استخدم الخبث في ذلك! قلت لأسرتي .. هيا استعدوا سوف نتوجه إلي الإسكندرية عند الصباح الباكر! ولمحت ارتسام الدهشة علي وجوههم من القرار المفاجئ. وبادرتني زوجتي وقد اشتمت رائحة مهمة عمل في الأمر: ما الحكاية؟ قلت: بالفعل هي مهمة عمل.. ولكن سوف نجد الفرصة للمرح واستنشاق يود البحر! عادت لتسأل عن طبيعة المهمة؟ قلت بنفس درجة سعادتي وتفاؤلي: زيارة إلي عمارة العفاريت! وكانت الكلمة كافية لأن تبتعد عني زوجتي، وأن يقترب مني الأولاد بشدة، لأنهم اكتشفوا أنني بقولها ومش خايف! انطلقت ابنتاي: بابا خدنا معاك. قلت: ولماذا كل هذا الفرح.. هو انا رايح الملاهي؟ وأضفت متراجعا حتي لا يعلنوا العصيان: طبعا.. طبعا.. سوف نقضي نهاية الأسبوع معا أمام عمارة رشدي.. عمارة الأشباح ونعود منها لندخل قصر البارون، حيث الإثارة أكبر والرعب أكثر وضوحا! الأطفال ( مهللين ): هييييييييه.. بابا ها يودينا عند العفاريت! يا ليلة بيضا.. العيال مش خايفة.. هل فشل المخطط لاجبارهم علي العودة في نفس اليوم حتي يحتموا بمنازلهم مع دور شطرنج وكيس بطاطس مقرمشة! إلي الأسكندرية ! بعد ليلة و ثلاث ساعات كنا نقف أمام العمارة المشؤومة..المنزل من الخارج يحرضك علي الخوف، حتي لو كنت تتظاهر بغير ذلك..العمارة تبدو وكأن الحرائق تندلع منها في كل لحظة، أو أنها خارجة توا من انفجار ضخم.. وتشعر بهاتف مستتر يحذرك من الاقتراب! وعلي بعد امتار قليلة هناك محطة بنزين و كشك خشبي لبيع التبغ والمياه الغازية..فكرت أن أبدأ علي الفور مهمتي، وأسأل العاملين أمام أولادي عن حكاية هذه البناية الغامضة التي تطنطت فيها العفاريت، ولكن نظراتهم لم تكن مشجعة علي الإطلاق، ويبدو أنهم اعتادوا علي نظرات المتطفلين أمثالي! بناتي لايبدو عليهن الخوف، فدفعت الصغيرة دفعا اسألي هذا الرجل العجوز في عقده السابع يتابعني بنظراته في غير اكتراث، ولكن سنوات عمره توحي بأنه يملك معلومات ذات قيمة..فوجئت بجرأة ابنتي قائلة للرجل: حضرتك بتشوف العفاريت يا عمو! الرجل يجلس علي مقعد خشبي عتيق، ناظرا للطفلة بنظرة نارية.. ثم زمجر وتنحنح، وسعل، وأشاح بيده مهرطقا بكلمات غير مفهومة، فارتعدت البنت صائحة: العفريت.. أنا عايز أروحّ! احتضنتها بقوة مهللا ومطمئنا: آهو دلوقت انتي بنتي.. بينا علي مصر!