تنتمي هذه الدراسة إلي ما يعرف ب"تاريخ حيوات الألفاظ والتعابير"، تدرس الحضارة باعتبارها طريقة حياة جماعة إنسانية، واللغة بوصفها أداة اجتماعية ووعاء يستوعب الحضارة. تقوم الباحثة إيمان السعيد جلال في هذا الكتاب القيم برصد وتحليل الألفاظ والمصطلحات التي دخلت اللغة العربية مع بداية عصر النهضة العربية الحديثة منذ القرن التاسع عشر، منها ما يثير الغرابة والطرافة، علي سبيل المثال كلفظة مثل"الرواشن"، وتطلق عند الحديث عن الشعوب التي تعتني بمنازلها ويقيمون فيها مقاعد للنزهة. ويختلف مجهود الباحثة عن الدراسات اللغوية والدلالية السابقة وحتي المعجم اللغوية والتاريخية، في اشتغالها علي نموذج مهم وغني بألفاظ الحضارة العربية في مختلف مجالات الحياة، وهو كتاب رفاعة رافع الطهطاوي المترجم "قلائد المفاخر في غريب عوائد الأوائل والأواخر" المعني بالتاريخ الاجتماعي للشعوب، معتبرة إياه شاهدا صادقا وممثلا للغة عصره والمرحلة التي عاشها الطهطاوي ودوره في التجديد اللغوي، واتصاله المباشر بالحضارة الغربية، وقد صدر الكتاب بالفرنسية لأول مرة عام 1826 ونشره رفاعة بالعربية عام 1833 عن مطبعة بولاق، ومن هنا تأتي أهمية وفرادة كتاب إيمان الذي بين أيدينا "ألفاظ الحضارة في مصر" الصادر لدي مكتبة الآداب، في تضمينه النص الكامل لكتاب رفاعة، فيما يعد طبعة ثانية جديدة له. تشرح لنا الباحثة أصل الكلمات والألفاظ المستخدمة في المجالات السياسية والاجتماعية، وتلك الخاصة بعادات المأكل والملبس، مثل "كفر" التي تعني القرية، ذات الأصل السامي وينطقونها "كفار"، و"الحربجية" ذات الأصل التركي وتطلق علي المحاربين في الجيش، و"القراصيا" المعرّبة عن اليونانية، ثم "الفرنك" تلك العملة الخاصة بالإفرنج، الذين يدعوهم الطهطاوي بالفرنكة نسبة إليها، وتوضح في موضع آخر الأصول العربية الفصحي لكلمات يظّن أغلبنا أنها عامية أصيلة مثل: "قِزازة"، و"بوقسة" أو "بوكسة" و"الفُلوس" التي تعني في الأساس قشر السمك ثم سحبت اللفظة علي العملة المضروبة، و"العَيش" التي تقول عنها الباحثة أنها كلمة "استملحتها العامية المصرية"، وبخصوص العادات المتعلقة بالأكل، نكتشف أن بعض أسر الريف تتمسك بعادة عدم مشاركة النساء للرجال في الأكل مع أنها في الأصل عادة روسية! أما الأطرف تلك اللفظة التي تنطق "شراويل" وتعني سراويل بالفارسية، و"الشنتيان" وأصلها تركي، أي السراويل النسائية - تحديدا المصريات - الواسعة والطويلة! أما الممثلون والفنانون والكومديانات فكان يطلق عليهم في ذلك الوقت وصف "أرباب المسخرة"، وكانت "البلالايكة" منتشرة وهي عبارة عن آلة موسيقية ذات أوتار، ومن طرائف ألفاظ الحضارة أو النهضة المصرية "الدربكّة" وهي وفق تعريف الكتاب حرفيا: آلة خاصة ذات دوي "ملخبط"، مخصصة للخلق الهمّل المتوحشين، وفي الأصل "طبلة صغيرة".