أعتقد أنه بعد حديث الرئيس الفلسطيني محمود عباس المتناثر طيلة الأيام الماضية حول تعثر وتراجع جهود المصالحة الفلسطينية ووصولها في أحيان عديدة إلي الطريق المسدود بفعل التدخل والعرقلة الإيرانية بات واضحًا للعموم جوهر الدور المناوئ والخبيث الذي تلعبه إيران وملالي آيات الله في طهران ضد المصالح الوطنية الفلسطينية والقومية العربية علي طول الخط والكشف عن أن طهران لم تغير سياساتها واستراتيجيتها الهدامة تجاه دول ومصالح المنطقة. إنها تزداد رغبة وتوحشًا في النيل من أي جهد عربي يبذل لتحقيق هذه المصالحة والتضامن العربي أو إعادة اللحمة بين دول وفرقاء عرب علي أكثر من صعيد لأهداف ومرامي عديدة أبلغها وضوحًا إبقاء المنطقة دوما في جذوة التوتر والتوتير المشتعل وخلق حالة من الفوضي الهدامة التي تصب في خانة تحسين شروط التفاوض الإيراني مع دول الغرب وخاصة دول مجلس الأمن الخمس زائد ألمانيا في مفاوضات الملف النووي الإيراني الذي مازالت تتوالي فصوله تصعيدًا للعقوبات وتوترًا بقرب المواجهة المقبلة مع اقتراب ونفاد الصبر الأوروبي وانتهاء مهلة المقاربة الأمريكية التي طرحها الرئيس باراك أوباما منذ ما يقرب من عام عند وصوله إلي البيت الأبيض. ناهيك عن الاستراتيجية التخريبية لملالي آيات الله في ضرورة الإمساك بعديد من ملفات المنطقة بقفزات حديدية لإبلاغ الغرب رسائل متتالية بأنها باتت لاعبًا رئيسيا وأحد أضلاع مثلث التأثير والنفوذ الشرق أوسطي. من ثمَّ لا حل لقضايا وتوترات الشرق الأوسط مترامية الأطراف بدءًا من فلسطينالمحتلة ومرورًا بالعراق الملتهب الجريج وصولاً إلي أفغانستان وباكستان إلا عن الوسيط الإيراني والاعتراف بدوره في المرحلة المقبلة.. ومن ثم الدخول معه في صفقات ومقايضات سياسية إذا رغبت واشنطن والغرب تأمين مصالحها وحضورها السياسي والأمني والعسكري في هذه المنطقة. قد يخطئ من يظن أن نجاح ملالي آيات الله في تعطيل الجهود المصرية لإتمام مشروع المصالحة الفلسطينية في بعض الأحيان موجه إلي مصر في المقام الأول بل علي العكس أن مصر لم ولن يضيرها ذلك الفشل أو ينال من تعاطيها مع الشأن الفلسطيني أو بقية الملفات العربية الشائكة بقوة وحضور متواصل بوصف مصر لها استراتيجيتها العربية الثابتة والمتأصلة وأنياب سياسية ودبلوماسية تتقن فنون استخدامها في الملف العربي والشرق أوسطي عمومًا عبر التدخلات الحاسمة في الوقت المناسب لرد أي ضير أو ضرر ينال من كثير من الملفات والقضايا العربية الملحة والمتأزمة عندما تصل الأمور إلي مرحلة الشلل أو حافة المواجهة وهناك معارك وميادين عديدة تدخلت فيها مصر في التوقيت الحاسم لإطفاء العديد من الحرائق والاشتباكات طيلة العقدين الماضيين. وفي اعتقادي أن الضرر الأكبر يقع في المقام الأول علي الفلسطينيين وخاصة فرقاء الممانعة أمثال جبهات الرفض والتصدي للمصلحة الفلسطينية البحتة الذين تخلوا عن مصالح شعبهم وتصارعوا من أجل السيطرة والاستحواذ علي كرسي الحكم في مناطق بلا دولة وتحقيق مكاسب ومنافع ذاتية والحصول علي الرش المالي من طهران دوما متناسين عن عمد وغفلة قضية الوطن الأم وقضية كل العرب علي مدار 60 عامًا سدد العرب خلالها فواتير عالية ودفعوا أثمانًا باهظة. ناهيك عن عواصم عربية قبلت بالاصطفاف ضمن دول المنتج الإيراني وسعت لإفساح المجال وخلق مواطئ قدم في المنطقة العربية وجعلت من نفسها جسرًا ومعبرًا بل مطية للاختراق والتمدد الإيراني غير المقبول بشراكة وهمية مع طهران وهم يرون ويعلمون مبلغ العلم أنهم مجرد تروس في آلة الفوضي والاختراق الإيراني في المنطقة وهم الذين صدعوا الرؤوس يوميًا وأهلكوا البدن والعقل بأنهم حماة القومية العربية وآخر قلاع الصمود العربي. فكيف لهم ذلك الآن وقد خطف قرارهم وسيادتهم من قبل ملالي طهران حيث أنهم مع أسف قد اشتركوا في إفساد وتعطيل قطار المصالحة عبر محطات عديدة واللجوء دوما إلي فرض الوصاية والإذعان علي فريق من الفصائل الفلسطينية يقيمون بأرضهم ويلوذون بحمايتهم لا لشيء إلا أن قائد هذا القطار هو مصري بامتياز. فكيف له أن ينجح في تحقيق هذه المصالحة ويحقق أعلي درجات الانتصار لصالح قضية شعب وأمة دون دس وتحريض رخيص من قبل طهران وعديد من الاتباع من فريق ما يسمي بالممانعة العربية. وهنا أري من الحكمة ومنطق الأمور أن ينتفض الموقف السياسي والدبلوماسي المصري في هذا الوقت ليسمي الأشياء والدول بأسمائها ويرفع الغطاء السياسي عن هؤلاء الذين يضعون العصي في عجلة الجهود والمساعي المصرية في تحقيق هذه المصالحة ورأب الصدع وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني ليعلم القاصي والداني في منطقتنا العربية من هو الذي يدافع حقا عن العروبة ويحمي صمود قلاعها ومن هو الذي يسعي لتخريب تلك الجهود وتعطيل مساراتها العديدة.. ومن هو الذي يستوقي بالإيراني صاحب الأجندة والمرامي والأهداف التي تتعارض وتتناقض كليا مع جوهر المصلحة العربية والأمن القومي لمصر أو من دول الخليج أو لبنان وفلسطينالمحتلة. واتساءل عن رأي الذين يدعون ويلحون بالرجاء والرغبة الملحة في مصر ودول عربية بما فيهم الأمين العام للجامعة العربية إلي ضرورة فتح وإقامة حوار مباشر وثنائي بين مصر وإيران والمراوغات والمؤامرات الإيرانية ضد مصر وأمنها القومي مازالت منصوبة شباكها وقائمة حيلها وخططها الخبيثة غير الشرعية ناهيك عن تمدد تلك المؤامرات ضد دول الخليج التي تعدها طهران بمثابة الفناء الخلفي لإيران ومشاريعها التآمرية بالمنطقة. ربما يكون قد فات علي البعض من أولئك الذين يراهنون علي الجنوح الإيراني أن ساعة المواجهة بين الغرب وإيران قد اقتربت وعلي الجميع من منطقتنا الالتفات إلي ساعاتهم وأنه لا إسرائيل ولا الولاياتالمتحدة ولا فرنسا وبريطانيا وغيرها ستسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي وتشكيل جبهة مخاطر ضد مصالحهم الاستراتيجية في الشرق الأوسط أو القبول بالغموض النووي الإيراني الاستمرار إلي ما لا نهاية. فساعة المواجهة لا شك ستدق إن آجلا أو عاجلاً حيث تشير جميع المؤشرات والتسريبات السياسية والعسكرية إلي أن عام 2010 سيكون عام الحسم فالخطط تعد والأصبع علي الزناد دوما وإن كنا لا نتمني لهذه المواجهة أن تحدث أبدًا وأننا العرب مازلنا نقف علي مسافة قريبة جدًا من طهران لتسوية ملفاتها مع الغرب عبر قنوات الحوار والحلول السلمية الدبلوماسية في الوقت الذي نطالب ونحرم امتلاك إسرائيل للسلاح النووي الذي يجب أن يتبعه إن لم يسبقه خطوات في الاتجاه نفسه مع إيران باتجاه فض البرنامج النووي الإسرائيلي اليوم قبل الغد. ولكن علي أي حال يبدو أن نذر المواجهة مقبلة والتهديدات أصبحت قائمة وهنا علي البعض في الجانب العربي أخذ زمام المبادرة من الآن فصاعدًا بإعادة تغيير تموضعهم في الملعب الإيراني والعودة سريعًا إلي جادة الصواب والقرار بالاصطفاف ضمن العمق العربي - العربي ولنا في مقامرات صدام حسين للكويت عام 90 والغزو الأمريكي لبغداد 2003 أسوة وعبرة وفرصة للتأمل والمراجعة واستخلاص الدروس المستفادة. فالأهم اليوم وليس الغد الإسراع بتحصين الموقف والأرض والعمق العربي ضد أي ضربات ارتدادية ستنجم عن معركة المواجهة الإسرائيلية أو الغربية مع طهران باعتبار أنه بامتلاك طهران عقولاً ورؤوسًا مثل خامنئي ونجاد فالمواجهة مقبلة لا محالة ولا شك سيكون الإطار الحاكم لعقلية الغرب في التعاطي مع الملف الإيراني برمته بما فيها البرنامج النووي الذي يمثل العنوان الرئيسي هو الكي آخر العلاج. فهل حان الوقت لتخصيب الأرض والعمق العربي وإجراء المراجعات العربية قبل فوات الأوان.