التحليل السائد والمعتمد الآن ان انتخابات مكتب الارشاد لجماعة الاخوان المسلمين سوف تتمخض عن تقوقع الجماعة داخليا لاعادة بناء نفسها والتركيز علي تدعيم تنظيمها الداخلي وايقاف أو علي الاقل تقليل امتداداتها وانشطتها الخارجية.. وان هذا الاتجاه يروق لاجهزة الامن والسلطات الرسمية التي ضاقت ذرعا بالانشطة السياسية والجماهيرية لجماعة الاخوان المسلمين. ويستند اصحاب هذا التحليل الي أن نتيجة الانتخابات افضت الي احكام سيطرة ما يسمي بالجناح المحافظ او ما يعرف بالجناح القطبي علي أمور وقيادة الجماعة بعد اقصاء محمد حبيب النائب الاول للمرشد العام الحالي محمد مهدي عاكف ود. ابوالفتوح احد قيادات السبعينيات وكلاهما ينتميان لما يسمي الجناح الاصلاحي داخل الجماعة، او الجناح الذي يولي اهمية اكبر للعمل السياسي والجماهيري علي العمل الدعوي والتنظيمي. كما يتوقع اصحاب هذا التحليل ايضا ان تشهد الجماعة انفجارا قد يؤدي الي حدوث انقسام داخلها، خاصة ان الاعتراضات علي انتخابات مكتب الارشاد وسيطرة محمد عزت ورجاله علي قيادة الجماعة لا تقتصر فقط علي حبيب وأبو الفتوح. انما امتدت لتشمل آخرين داخل الجماعة، ربما كان ابرزهم الشباب الذي يطعن في الطريقة التي تمت بها الانتخابات الداخلية للجماعة، ويطالب باعادتها، تحت اشراف شخصيات قانونية من اصدقاء الجماعة أو المتعاطفين معها. وللوهلة الأولي يبدو هذا الاستنتاج له وجاهته.. فالخلاف أو بالأصح الصراع داخل الاخوان صار معلنا ومعترفا به من الاطراف المتصارعة ذاتها ومن الكوادر والقيادات الاخوانية المختلفة.. كما ان حدة الصراع تتزايد وبات هذا الصراع اقوي من المحاولات التي يبذلها البعض سواء للتقليل من شأنه او احتوائه، وهو ما انخرطت فيه قيادات اخوانية مؤخرا. ولكن لو تمهلنا بعض الشيء وأخضعنا هذا الاستنتاج لقدر من التمحيص قد نجري تنقيحاً أو تعديلا عليه ربما يغير من مضمونه. ابتداء الصراع الدائر الآن داخل الجماعة لم يحدث فقط بسبب انتخابات مكتب الارشاد، سواء الطريقة التي تمت بها أو نتيجتها.. انما الصراع يدور داخل الجماعة منذ فترة ليست بالقليلة، وزادت حدته اكثر بعد ان اعلن المرشد الحالي عاكف عدم رغبته في ترك منصبه أو التجديد له.. وربما كانت محاولات البعض اقناع عاكف بالاستمرار هدفه تفادي انفجار الخلافات علي هذا النحو داخل الجماعة. ثم انها ليست المرة الاولي التي يحدث فيها انقسام داخل الجماعة، ألم يسبقه انقسام المجموعة التي تسعي الآن لتشكيل حزب سياسي باسم حزب الوسط؟ غير أن انفجار الصراع داخل جماعة الاخوان ليس كافيا للتنبؤ بالاسلوب الذي سوف تتبناه في حركتها مستقبلا، حتي ولو حسم ما يسمون بالمحافظين الصراع لصالحهم وانفردوا بقيادة الجماعة. فهؤلاء الذين يسمون بالمحافظين او القطبين كانت لهم الغلبة في مكتب الارشاد السابق. وكان علي رأس الجماعة مرشد ليس غريبا عنهم وينتمي الي الجهاز الخاص للجماعة.. ومع ذلك فان الجماعة انتهجت سياسات غير منغلقة ولا تكتفي بتقوية بنيانها التنظيمي ودعم انشطتها الدعوية فقط.. بل علي العكس تماما فقد كان للجماعة انشطة جماهيرية وسياسية واسعة بل لعلها كانت الأوسع منذ قيام ثورة يوليو وسحب شرعيتها القانونية. في ظل مكتب ارشاد يسيطر عليه المحافظون ومرشد متشدد ينتمي الي الجهاز الخاص نشطت الجماعة في كل اتجاه.. انفتاح علي الاحزاب والقوي السياسية المختلفة.. محاولات كبيرة للتغلغل داخل النقابات.. والأهم حصد أكبر عدد من المقاعد النيابية في تاريخ الجماعة ذاتها. إذن.. لا تعولوا كثيرا علي سيطرة المحافظين علي مكتب الارشاد في الاستنتاج بأن الاخوان سوف ينغلقون علي انفسهم.