ثلاث حوادث متقاربة زمنيا متباعدة جغرافيا ولكنها جميعا حوادث كسر أنوف.. كنا نعتقد فيما سبق أن كسر أنف شخص من قِبل شخص آخر لا تظهر إلا في حلبات الملاكمة حيث تمتد اليد السمينة بقفازها الثقيل الممتلئ لتضرب وجه الملاكم الآخر في عنف فتكسر أنفه.. وأما خارج حلبات الملاكمة فكان تعبير (كسر الأنف) ولا يزال في نطاق ثقافتنا يعبر عن الإذلال ونتعامل معه كتعبير مجازي لا يطرح علي تفكيرنا أبدا لون الدم ولا أشكال الإصابة.. ولكن ما حدث في الفترة الأخيرة يطرح تصورا جديدا عن كسر الأنوف إذ إن أحد معارضي بيرلسكوني رئيس وزراء إيطاليا قد قام بلكمه في وجهه، لا بقفاز ملاكمة، ولا بيد فارغة، بل بيد تحمل تمثالا صغيرا زاد من عنف الضربة وكسر أنف رئيس الوزراء وتسبب في سقوط اثنتين من أسنانه.. وفي تصوير لما حدث يظهر بيرلسكوني والدم يسيل من وجهه بصورة في غاية السوء.. وبعد هذا الحادث بيوم واحد قام طالبان بمدرسة في مصر بلكم المدرس في وجهه لأنه اعترض علي استخدامهما للهاتف المحمول.. وتسببت لكماتهما في كسر أنف المدرس أيضا.. ومن قبل هاتين الحادثتين، وفي أكتوبر الماضي بالتحديد تم الحكم علي (مارلون كينج) لاعب كرة القدم الإنجليزي بالسجن لمدة 18 شهرا لأنه قام بلكم فتاة وكسر أنفها في نوبة غضب وانفعال.. من المعروف أن لكم الأنف بالذات يتسبب في أعراض مرعبة.. فهو يحدث ألما شديدا جدا يصاحبه إحساس بالعمي المؤقت وشعور بفقدان بعض الوعي وقد يسقط المصاب لا بسبب قوة اللكمة ولكن لما تسببه من فقدان الاتزان.. والأسوأ من كل هذا أن لكم الأنف ينجم عنه نزيف حاد يخيف المصاب ويشل تفكيره فلا يستطيع حتي الدفاع عن نفسه.. ولذلك لا يقوم بهذه الضربة العنيفة إلا من يتعمد الإيذاء الشديد للآخر، أو من يغضب غضبا عارما فيضرب دون وعي.. هل هي صدفة أن تتشابه تلك الحوادث العنيفة وتتقارب في شكلها بتلك الصورة؟ وهل هناك أسباب - مهما بلغت قوتها - لمثل تلك النوبات الغاضبة التي تذهب عقل من تنتابه وقد تتسبب في كارثة للمجني عليه؟ ولماذا تطور الغضب في العالم بهذه الصورة المخيفة وتحول إلي عنف مدمر؟ وهل يتساوي الناس جميعا في سبل إظهار الغضب في صورة عنف؟ أي هل يتساوي الطالب المصري الصغير غير الناضج مع لاعب الكرة الانجليزي المحترف والنجم المعروف مع أحد المعارضين الإيطاليين والذي يقال إنه غير متزن نفسيا؟ إن الأمر يحتاج إلي وقفة لمناهضة العنف لا تقتصر علي الشعارات والمؤتمرات، بل تبحث عن حلول علمية وعملية لتقويم سلوك العنف وتحويل الغضب إلي سلوك لا عدواني.. كما ينبغي تفعيل قوانين مجابهة العنف عن طريق تشديد الرقابة لا بتشديد العقوبات، حيث إن اليوم يوافق ذكري موافقة البرلمان الإنجليزي علي منع عقوبة الإعدام منذ 40 سنة.. وإذا كنا ندعو إلي وقف العنف فلتبعد عقوباتنا عنه، ولكن لا نبعد أعيننا عن مرتكبيه..