أخطأ من اعتقد أو روج أن المعركة الانتخابية التي جرت في نقابة الصحفيين كانت معركة نقابية وأنها كانت معركة نظيفة شريفة! هذه المعركة الانتخابية كانت معركة سياسية في الأساس، وكانت معركة غير نظيفة وغير شريفة، واستخدمت فيها كل الأسلحة القذرة وغير المشروعة. أرادها مكرم محمد أحمد معركة نقابية مثل كل المعارك النقابية التي سبق أن خاضها طوال تاريخه النقابي الطويل، سواء لعضوية مجلس إدارة النقابة أو لمنصب النقيب.. لكن منافسيه أرادوها معركة سياسية.. أقول منافسيه لأنه لم يكن يواجه منافسا واحدا هو ضياء رشوان إنما كان يواجه قوي وتيارات سياسية.. وثأرت شخصية كانت في الأساس تريد النيل أو الانتقام منه أكثر مما تريد أن تأتي بمقعد نقيب الصحفيين لضياء رشوان. وربما هذا هو السبب الرئيسي والأساسي وراء نتيجة الجولة الأولي للانتخابات والتي حرمت مكرم من الفوز بدون اعادة لعدم حصوله علي أكثر من نصف الأعضاء الذين شاركوا في التصويت، وليس كما قيل من أسباب اخري مثل التفاف رؤساء التحرير حول مكرم، فهؤلاء سبق أن التفوا حول في معركته قبل عامين التي فاز فيها بفارق كبير من الأصوات. كانت جماعة الاخوان المسلمين تريد الانتقام من مكرم محمد أحمد رغم أنه ساند في اطار شعاره نقابة للجميع - وجود زميل قيادي فيها ليتبوأ منصب وكيل النقابة في المجلس الحالي، لأنه في ذات الوقت تصدي لمحاولات شتي من هذه الجماعة لكي تفرض سطوتها او ارادتها علي النقابة.. فهو ليس صنفا من البشر يراوغ أو يداهن انما هو دائما يواجه ويتصدي لما يراه خطأ ويساند بقوة ما يراه صائبا وفي مصلحة جموع الصحفيين.. ولذلك أصدر مرشد الاخوان توجيها علنياً بالتصويت لصالح ضياء رشوان. كما أن جماعة الاخوان المسلمين التي تترنح الآن تحت وطأة انقسامات عنيفة داخلها كانت تطمح إلي معركة تساعدها علي تجاوز خلافاتها وتوحيد صفوفها في مواجهة عدو خارجي، ووجدت في انتخابات نقيب الصحفيين فرصة مواتية لذلك، خاصة أن الاطاحة بمكرم كانت ستعد كسبا معنويا لها يفيدها في استعدادها للمعركة الأكبر، معركة الانتخابات البرلمانية.. فضلا عن أن ضياء رشوان - حتي وإن لم يكن عضوا بها - فهو يحتفظ بعلاقات طيبة بقادتها وكوادرها، ليس فقط لأنه ناصري وبعض الناصريين لا يمانعون في جسر الخلاف التاريخي مع الاخوان بل والتحالف معهم، وإنما لأنه يري في الاخوان قوة سياسية لا يتعين تجاهلها. أما بقية خصوم مكرم الآخرين فقد دخلوا المعركة الانتخابية ضده لأسباب يمتزج فيها العنصر الشخصي بالعنصر السياسي، رغم أنهم يدركون جميعا أنه ظل حريصا طوال تاريخه الصحفي والنقابي علي الاحتفاظ بمساحة من الاستقلال السياسي النسبي.. لكن ذلك لم يمنعهم من تحويله إلي رمز حكومي حتي يتمكنوا من توجيه سهامهم اليه بقوة ويقنعوا العديد من الصحفيين الذين ينفرون من السياسات الحكومية للانضمام لهم في معركتهم للاطاحة بمكرم والتخلص منه وابعاده عن مقعد النقيب.. صحيح أنهم كانوا يدركون أن مكرم سوف يترك هذا المقعد مختارا بعد عامين، ولكنهم كانوا يستعجلون ذلك لاسباب عامة قبل ان يكون لها علاقة به شخصيا.. وهنا يبرز الطابع السياسي الذي فرضوه علي هذه المعركة. وهكذا.. تحولت المعركة الانتخابية في نقابة الصحفيين من معركة نقابية إلي معركة سياسية.. وبالتالي ارتفعت فيها الشعارات السياسية واستخدمت فيها الأسلحة السياسية.. اصبح الشعار الأساسي لحملة ضياء الانتخابية هو التغيير، وكأن الانتخابات متوقفة في نقابة الصحفيين، وكأن الذي يدير النقابة يفرض بالتعيين علي الصحفيين ولا يأتي بأصواتهم.. وأصبح مكرم متهما بأنه مرشح الحكومة وكأنه صادر علي حق اصحاب الانتماءات السياسية المختلفة في إدارة النقابة.. كما استخدمت في المعركة الانتخابية أسلحة غير مشروعة، وهذا هو حديث الغد.