ونقصد بحكاية المئذنة، ما حدث لها في سويسرا في التاسع والعشرين من نوفمبر - الشهر الماضي - عندما طرحت الحكومة السويسرية علي مواطنيها استفتاءً حول إقامة المآذن علي مساجد المسلمين بها، أو عدم إقامتها، وأقبل علي الاستفتاء ما نسبته 25٪ ممن لهم حق الاستفتاء من الشعب السويسري وجاءت النتيجة - كما هو معروف - بأن 5.75٪ ممن تم استفتاؤهم يقولون لا لبناء المآذن، أي يؤيدون منع إقامتها، مقابل 5.24٪ لا يرون هذا الرأي ويؤيدون حق المسلمين في بنائها، وحول هذه النتيجة، وأبعادها، تباري المحللون، وتعددت وتنوعت ردود الأفعال ما بين مؤيد للسويسريين وحقهم في اتخاذ ما يرونه من إجراءات تخص شئونهم وما بين معارض لنتيجة هذا الاستفتاء مندد به، ومن المثير للعجب ومن خلال متابعة العديد من هذه التحليلات، وردود الأفعال، يتبين أنها صادرة - تأييدا أو معارضة - ممن هم بالداخل المصري والعربي والإسلامي، وربما بدرجة تفوق في التأييد ما صدر عن غير المسلمين. بل وهناك في صحفنا المصرية من حاول الربط بين ما حدث في سويسرا، من منع بناء مآذن للمساجد، وبين ما يراه بعض صحفيينا من أنه يحدث في مصر بالنسبة لبناء الكنائس، ويتساءلون لماذا نحرم علي غيرنا ما نحلله لأنفسنا؟ كما أن هناك من يري أنه يجب أن نفعل هذا تجاه قبط مصر، ومنعهم من إقامة الصلبان علي كنائسهم. ولنتجاوز هؤلاء وأولئك، فهم لا يستحقون مجرد كلمة ولو واحدة، فأقل ما يوصفون به أنهم مثيرون للفتن الطائفية، ويخلطون بغباء وجهل واضح بين ما يحدث هناك ويحدث هنا، ويتجاهلون عمق العلاقة بين المصريين من الأقباط والمسلمين. وإنه - ولأول مرة يحدث في أي بلد في العالم ديمقراطيا كان أم غير ديمقراطي، أن يتم تخصيص يوم يحتفل فيه المصريون من غير المسلمين بعيد الميلاد، أن يكون هذا اليوم أحد الأيام الرسمية التي تعطل فيها الأعمال والمؤسسات شأن الأعياد الوطنية والدينية للمسلمين وهو وليس غيره السابع من يناير من كل عام، كما نقول للجهلة، بقايا عصور الجمود والتخلف من متطرفي المسلمين: إن قبط مصر ومؤسساتهم الدينية في الوجدان المصري، بحكم المواطنة، وبما يفرضه الدين الإسلامي من الحفاظ علي الأديرة والكنائس، بالضبط كما يفرض التعامل مع المساجد. نقول: لنتجاوز هذا وغيره من التحليلات المغرضة، والجاهلة بحقيقة ما بين الأديان من توحد في المقاصد العليا، ونعد لحكاية ما حدث في سويسرا، ونقول: رب ضارة نافعة، وباختصار نطرح هنا بعض المنافع التي يمكن أن تترتب علي هذا الحدث الكارثي في الغرب الاستعماري العنصري، وتتلخص هذه المنافع في الآتي: 1 إنه لا يمكن استثناء أي دولة في الغرب من وصف العنصرية البغيضة، ومن الكراهية المقيتة للإسلام والمسلمين، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، واعتبار الإسلام هو الخطر الأخضر بعد زوال الخطر الأحمر ممثلا في الشيوعية، صحيح أن هذه الكراهية مترسخة في الوجدان الغربي والاستعماري منذ عدة قرون، لكنها لم تسفر عنها وبهذا الوجه القبيح والسافر إلا منذ أواخر نهاية العقد الثامن من القرن الماضي. وصحيح أن هذه الكراهية قد زادت بفعل السلوكيات والأعمال الإرهابية من قبل بقايا عصور الجمود والتخلف الإسلامي، لكن كل هذا وغيره لم يؤد إلا إلي المزيد من الكراهية، أما الكراهية نفسها فهي مترسخة في الوجدان الغربي، كما سبق أن أشرنا، ولا يمكن تجاهل أن تصرفات الغرب الاستعماري تجاه العالم الإسلامي تزيد من عمليات الإرهاب، وتكدس ثقافته لدي بعض الشباب المسلم. علي أي حال، نقول: إنه لا يمكن استثناء أي دولة في الغرب من هذه الكراهية والعنصرية، فهل كان أحد يتصور أن يحدث ما حدث في سويسرا البلد المحايد، والمنفتح، والذي يقوم اقتصاده علي إيداعات البنوك لما يتوافر لديها من أمان لدي الاقتصاديين؟ نعم حدث، وما خفي كان أعظم من هذه الكراهية والعنصرية، والنظرة للإسلام علي أنه دين إرهابي، فاسد، يحاول الهيمنة علي الغرب، ويعادي حضارته، علي حد تعبير البوش الصغير، وعدم وجود هذا الاستثناء هو الدرس الذي ينبغي أن نستوعبه جيدا، لنكون علي حذر مع هذه الدول، وعلي وعي بمخططات الغرب الاستعماري. 2- أما الدرس الثاني أو المنفعة الثانية، فهو الاستعداد للتحرك علي كل الجبهات لمواجهة كل الاحتمالات، فما حدث في سويسرا يؤكد أنه يمكن أن يعمم في العديد من البلدان الأوروبية لأنه لم يكن يتصور أن يحدث هذا في بلد مثل سويسرا. 3- الدرس الثالث هو فضح الغرب وعملائه في المنطقة الذي لا يتعامل إلا وفق مصالحه فقط، فلقد صدعوا رءوسنا بأنه الديمقراطي الحر، بل يطالبنا بإحداث التغييرات في البلدان الإسلامية لتحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان وهو الذي يناهض كل هذا مع المسلمين، حتي من يحملون جنسيات بلادهم. وفي هذا الصدد ينبغي ألا ننخدع بموقف الحكومة السويسرية، وزعلها مما حدث، فعلي حد تعبير عبدالله كمال في إحدي مقالاته إنها لا تبحث إلا عن مصالحها وتخشي أن يسحب أثرياء المسلمين ودائهم من بنوكها فتعلن إفلاسها، خاصة أن حوالي 10٪ - كما تقول التحليلات - هي من ودائع أثرياء الخليج العربي. 4- وهذا ينقلنا إلي ما ينبغي أن يقوم به المسلمون تجاه هذا الموقف العنصري من الغرب الاستعماري، ونبدأ بمسلمي سويسرا، حيث يجب عليهم فضح هذه الممارسات ونتائج هذا الاستفتاء، داخل وخارج سويسرا واللجوء للاتحاد الأوروبي فقد ينصفهم في مواقفهم، وعلي وجه الإجمال - يجب علي الأقليات المسلمة في الغرب إظهار الوجه الإسلامي الحضاري فعلا وقولا، وإثبات وجودهم داخل هذه المجتمعات. أما بالنسبة لأثرياء العرب المسلمين فيجب عليهم اتخاذ جميع الإجراءات والمواقف المهددة لاقتصاد سويسرا من خلال ودائعهم في بنوكها. ونأتي للهيئات والمؤسسات الإسلامية وعلماء الإسلام في كل البلدان ودورهم في مواجهة هذه الهجمة الاستعمارية العنصرية، فالقضية ليست بالسهلة الهينة، وإنما تتعلق برمز إسلامي. صحيح أن المئذنة لا تعد عقيدة إسلامية وإنما هي رمز إسلامي ينبغي الحرص علي تواجده شأن كل الأديان في الاحتفاظ برموزها الدينية، وللعجب إذا كان أي شعب - وآخرها نحن في مصر - يثور ويعمه السخط بل والتظاهر عندما يجد من يمس العلم الوطني باعتباره رمز الوطن الذي يجب عدم المساس به، فهل يعيب أصحاب الديانات - ومنهم المسلمون - الشعور بالإهانة عندما تمس رموزهم، وفي القلب أماكن العبادة، بكل مكوناتها وعناصرها؟ باختصار علينا التعامل مع ما يحدث لنا من مصائب وكوارث علي أنها ليست النهاية، وإنما قد يكون في حدوثها العديد من المنافع، وصدق الله العظيم، وعسي أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم. المهم فقط الفعل والحركة لمواجهة هذه المصائب والكوارث والتقليل من أخطارها قدر الامكان، فهل نعي الدرس! هذا ما نتمناه.