لم يكن الفنان الكبير صلاح قابيل ابن مركز "منيا القمح" بمحافظة الشرقية إلا وجها مصريا صحيحا يتسم بذلك الجمال النيلي القمحي الشعبي ويعبر عن جوهر الشخصية المصرية في الشارع والمصنع والحقل والديوان الحكومي حيث الذكاء الفطري والمرح والبساطة. لم يستكمل صلاح دراسته في كلية الحقوق بجامعة القاهرة وتحول مساره إلي معهد التمثيل الذي تخرج فيه سنة 1957 لينطلق بعدها في رحلة نجاح فني تشهد عليها جملة أعماله المسرحية والتليفزيونية والسينمائية من أعماله المبكرة تجسيده لشخصية سعيد مهران في مسرحية "اللص والكلاب" التي أعدتها أمينة الصاوي لمسرح التليفزيون عن الرواية الفذة لنجيب محفوظ ومع نجيب أيضا تألق صلاح سينمائيا في "زقاق المدق" ومن مثله يستطيع أن يقدم شخصية عباس الحلو ابن الزقاق الطيب الراضي القنوع الذي يحب فيلجأ إلي الغربة في معسكرات الإنجليز وتغدر به الحبيبة فيصل إلي محطة الموت من بوابة الجنود السكاري. تألق صلاح قابيل في مسلسل "زينب والعرش" ومن شاهدوا المسلسل الناجح لا يملكون إلا التسليم ببراعته غير المسبوقة في تجسيد شخصية الصحفي الانتهازي حسن زيدان لكن الممثل الموهوب لم يكن أقل تألقا في "ليالي الحلمية" حيث المعلم علام السماحي ابن البلد الأصيل الشهم، لم يكن الممثل القدير نمطياً ممن يتقنون أداء أدوار بعينها، فهو ناجح ومقنع في كل ما يقدمه من أدوار وهو من القلائل الذين يحتفظون بالحضور الطاغي المتوهج مسرحياً وسينمائيا وتليفزيونيا. وجه مصري لا تنهض بيه وبين مشاهديه حواجز الغربة فسرعان ما تنعقد معاهدة الصداقة والمودة وتفضي الثقة المتبادلة إلي تواصل حميم وتفاعل صادق لا أثر فيه للزيف أو الادعاء. بعد شهور من وصوله إلي العام الستين رحل صلاح قابيل في الثالث عشر من ديسمبر سنة 1992 وخلف وراءه تراثا فنيا محترما جديراً بكل الإعجاب والتقدير.