كلّما زاد ضغط الانتخابات المنتظرة في عامي 2010، 2011تتحوّل الديمقراطية إلي متاهة وينزلق مجتمعنا أكثر، إلي التحرّك بطريقة وأخري، ودرجة وأخري في اتّجاه قبول أنصاف الحقائق ، وهو درجة من درجات قول وقبول الزور.مابين تجربة ديكتاتورية في الحكم من بعد قيام يوليو 1952 ومابين صفقة ليبرالية ابتدأها الرئيس السادات ولايزال يستكملها الرئيس مبارك ستتشكّل محاولتنا للسير نحو الديمقراطية. ماكنّا نتوقّع أن يصل أكثر من ثمانين نائبا من جماعة الإخوان إلي عضوية مجلس الشعب، ولاأن يظهر حزب الغد ويرشّح نعمان جمعة أو أيمن نور نفسه لمنصب الرئيس .. ما كان الدكتور البرادعي يمكنه أن يطرح نفسه أو يطرحه آخرون كمرشّح مقبل لرئاسة الجمهورية، يقدّم رغبته لدي شبكة C.N.N مصرّحا بأن ّ الأوضاع في مصر في أسوأ حالاتها ،ليس للبرادعي من قبل إدلاء عام وعلني حول ذلك ولا اقتراحات حول الخروج من الحالة ! وفي المقابل لا أعتقد أنّ هناك من يعترض علي حقّ أي مصري للتقدّم لشغل المنصب واختبار أجندته. وكلّ مايظهرهو نتاج صفقة ليبرالية لاتزال خاسرة نحو الديمقراطية، وإذا كان تحوّلنا نحو الديمقراطية لايزال قاصرًا، فما ذلك إلاّ لأنّ اكتساب الديمقراطية هو مهمّة أخلاقية، لاتهبط من السماء أو بقرارمن الرئيس أو تفرضها بوارج أجنبية أو إشراف دولي أو قضائي.. بعض هذه الأشياء يمكن أن يكون عوامل مساعدة تنشّط وتسرّع ظهور مواطني الديمقراطية. وعموما فالمجتمع المثالي شيء مستحيل، نحن نسعي إلي مجتمع ديمقراطي وسط محصّلة جوهرية للتكوين المعنوي للمجتمع ، كما يتمثّل في القيم والأحكام والميول والاستعدادات وأساليب التفكير وخصائص الانفعال. من الأسرة إلي تجمّعات الموالد وحلقات الذكر وسرادقات العزاء وصالات الأفراح وتشجيع كرة القدم ،إلي التنظيمات السياسية، والنقابية. وكلّ ذلك يرتبط بالتكوين الحقوقي للدولة المصرية وتكويناتها الإدارية والبيروقراطية في توليفة من التحقّق الثقافي والأفكار السياسية والأخلاقية وغيرها من التأثيرات المباشرة علي الرأي العام كما يمارسها التليفزيون! منذ أيام أجري جمال عنايت حوارا علي شاشة أوربت مع القيادي الإخواني السابق الدكتور محمّد فريد عبد الخالق، لفت نظر الإعلام والصحف حصول الرجل علي الدكتوراة في سنّ الرابعة والتسعين . ينافس علي الدخول إلي موسوعة جينيس ،كما ينافس الراحل المثقّف والشاعرالمناضل الشيوعي د. محمّد متولّي السلماوي والذي حصل هوالآخر علي درجة الدكتوراة وقد تجاوز السبعين من عمره. غير أن ّجمال عنايت ينقلنا من الإعجاب بمثايرة المصريين إلي ما يناوئ سيرنا نحو الديمقراطية من منظور إسلامي ، يطرح علي المشاهدين من خلال حوار كاشف أطروحة الدكتوراة التي قدّمها محمّد فريد تهدف إلي إبراز الدور الرقابي الشعبي علي السلطات المتمثل في نظام الحسبة ، ومن خلال هذه الدراسة يحاول الباحث الوصول إلي تصور مقبول لنظام الحسبة في الإسلام يصلح لوقتنا الحاضر، يمكن أن يؤدي دوره في الاحتساب علي ذوي الجاه والسلطان والدولة ورئيسها. وفي ضوء تفسيره الخاص لخطب عمر بن الخطّاب بشكل أساسي وأصول الفقه الإسلامي، يستخلص مبادئ للإسلام في المجال الدستوري والسياسي. يقدّم نظامًا احتسابيا جماعيا ومؤسسيا لمقاومة جور وفساد السلطات التنفيذية ورئاسة الدولة، كما يهدف إلي إلقاء الضوء علي الضوابط الشرعية للحسبة في الإسلام، وشروط المحتسب والمحتسب فيه، متصوّرا احترام الإسلام لمبدأ الفصل بين السلطات ومتبرئا من قضايا الحسبة التي رفعت في مصر في العصر الحديث بل مدينا للنظام السرّي للإخوان ومطالبا بأن تستمرّالجماعة كجهاز دعوي. يفصل د.فريد بين وقائع التاريخ الإسلامي والدولة الإسلامية وبين الكلام النظري الجميل لعمر بن الخطّاب : إذارأيتم في اعوجاجا فقوّموه فيقسم أحد السامعين بأنّهم لو رأوا فيه اعوجاجا لقوّموه بحدّ السيف ، متي حصل ذلك علي طول التاريخ الإسلامي ومنه تاريخ جماعة الإخوان منذ ظهورها ! وكيف ووجهت محاولة تقويم دولة الفقيه في إيران عبر مظاهرات سلمية وليست بحدّ السيف ؟ يهمّني التأكيد علي أنّ "الزور" قولا وفعلا، ليس مقصورا علي الكذب وشهادة الزور أمام المحكمة ،ليس مقصورا علي أفراد يمكن تشخيصهم بالاسم يكذبون ويخدعون ويزوّرون ، ولكنّه أيضا ينسحب علي المجتمع وهيئاته ومؤسّساته. والمؤسسات وحدها ليست إلاّمباني ومقاعد ومكاتب وتجهيزات ، وكلّ ذلك لايقدر علي أن يمنح أي مؤسّسة الاسم والهدف الجميل والنبيل الذي نمنحه لها. وفي غياب تقاليد الأفراد الراسخة قد تخدم المؤسّسة الهدف النقيض لما هو مقصود، من المحكمة إلي قسم الشرطة إلي المدرسة إلي لجان الانتخابات إلي أجهزة الإعلام، وحتّي إلي الجامع والكنيسة وجماعة الإخوان.. واختصار القول أنّنا نحن البشر نصنع الرابطة بين مجتمعنا ومؤسّساته وبين نوايا الأفراد وتقديراتهم. هذه النوايا والتقديرات المعرّضة للمنفعة والخاضعة للتأثّر بالتقديرات الذاتية وتقديرات الآخرين، وتختار غالبا استثمار ماهو مقبول من المجتمع أو الأغلبية أو مصالح النظام و الحزب والجماعة . هل يضع أنصار الحرّية والليبرالية مراوغات الإخوان في الحسبان وهم يناقشون الانتخابات المقبلة أم أنّ للفوز حسابات أخري ؟