الرئيس الأمريكي أوباما وقع كما نقول بين شقي الرحي بالاستراتيجية الأمريكيةالجديدة التي أعلنها في أفغانستان.. فهو كان مضطرا لكي يقنع نواب حزبه الديمقراطي وكل الأمريكيين بهذه الاستراتيجية، أن يحدد موعدا لبدء انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان وهو منتصف 2011، لكنه في ذات الوقت أرسل رسالة للقاعدة وطالبان في أفغانستان أن الحرب الأمريكية عليهم لن تستمر طويلا وسوف تنتهي في غضون نحو 18 شهرا. وهكذا وقع الرئيس الأمريكي حائرا بين الأمريكيين الذين أراد الحصول علي تأييدهم لإرسال مزيد من التعزيزات لأفغانستان وبين القاعدة وطالبان التي أراد إلحاق الهزيمة بها وحماية الأمريكيين من الإرهاب. فمنذ أن أعلن عن طلب قائد القوات الأمريكية في أفغانستان إرسال تعزيزات بنحو 40 ألف جندي وثمة معارضة من الأمريكيين لهذا الطلب خاصة من نواب الحزب الديمقراطي الذي يملك الأغلبية حتي الآن في مجلس النواب والشيوخ بأمريكا، استنادا إلي عدم قبول الأمريكيين استمرار هذه الحرب التي تجاوزت عامها الثامن دون تحقيق أي نتائج، حيث مازالت القاعدة موجودة وقادتها هاربين، ومازالت عملياتها مستمرة في أفغانستان وباكستان وغيرهما من بقاع الأرض، كما مازالت طالبان قوية ونشطة في أفغانستان بل تهدد العاصمة كابول، كذلك لم ينجح الأمريكيون وبقية الحلفاء في تحقيق الديمقراطية في أفغانستان، إنما تمخض الأمر عن نظام متورط في الفساد من قمة الرأس حتي الأقدام. ولذلك.. كان الرئيس الأمريكي مضطرا لأن يطمئن الأمريكيين الرافضين لهذه الحرب بأنه سيكون لها نهاية، في البدء ردد هو ومسئولو إدارته أن الوجود العسكري الأمريكي لن يستمر لثمانية أعوام جديدة، لكن ذلك كان لا يكفي لطمأنة الأمريكيين أو لتخفيف معارضة النواب الديمقراطيين علي إرسال مزيد من القوات لأفغانستان.. هنا اضطر الرئيس الأمريكي لأن يقطع علي نفسه وعدا بالبدء في سحب القوات الأمريكية من أفغانستان في منتصف عام 2011، ليؤكد لمعارضي هذه الحرب أنه سيكون لها نهاية وليست بعيدة. غير أن هذا التحديد لموعد بدء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أثار كل الانتقادات التي تعرضت لها الاستراتيجية الأمريكيةالجديدة التي أعلنها أوباما في أفغانستان.. اتهمه الجمهوريون وآخرون بأنه كشف أوراقه الاستراتيجية للعدو "وهو هنا القاعدة أساسا وطالبان المتحالفة معها"، وبذلك مدد وضع قواته الموجودة في أفغانستان وأيضا القوات الإضافية التي سيقوم بإرسالها إلي هناك، وقال المنتقدون لأوباما إنه بالموعد الذي حدده لبدء الانسحاب الأمريكي في أفغانستان منح مهلة للقاعدة وطالبان تعيد خلالها بناء قواتها وتسليحها وإعادة تنظيم نفسها، بل أيضا التقاط أنفاسها، فهي خلال الثمانية عشر شهرا يمكن أن تعتمد سياسة الاختباء والاختفاء وفي نهايتها.. ومع بدء الانسحاب الأمريكي تنقض علي نظام حكم ضعيف وفاسد وفاقد للشعبية وقابل للسقوط إذا ما حُرم من الدعم الأمريكي. وهكذا.. أوقع أوباما نفسه بين شقي الرحي.. ولكنه في محاولة لأن يخرج من هذا المأزق أوعز لقائد قواته في أفغانستان بأن يدلي يتصريحات يؤكد فيها أن أمريكا لن تتخلي عن أفغانستان إلا بعد هزيمة القاعدة وطالبان المتحالفة معها، أو بعد تحقيق السلام والاستقرار لهذا البلد، وأن الموعد الذي حدده أوباما لبدء الانسحاب من أفغانستان ينطبق علي القوات أو التعزيزات الإضافية التي قرر أن يرسلها إليه وهي تتكون من نحو ثلاثين ألف جندي. بذلك اضطر أوباما "أن يلحس" وعده للأمريكيين الذي قطعه علي نفسه بوضع نهاية لحرب أفغانستان التي تتزايد معارضتهم لها حاليا.. ولكن ربما كان أوباما بذلك يزيد من صعوبات حصوله علي موافقة نواب حزبه علي استراتيجيته الجديدة في أفغانستان.