حين يدرك كل منا سواء أبًا أو أمًا أنه، بكل هيلمانه، يقف عاجزًا أمام طلاسم الكمبيوتر، مستأبيا سؤال ابنه أو ابنته عن ما يحيره وما لا يفهمه في هذا العالم الساحر المعقد يدرك، ولابد أن ندرك جميعًا، أهمية التعامل مع هذا الجيل الصاعد، والذي يمتلك أكثر منا مفاتيح الغد لأنه يتجاوزنا إلي عالم افتراضي رحب لا نستطيع الرقابة عليه بأساليبنا القديمة.. وإنما فقط من خلال الحب والصداقة والشراكة.. تذكرت هذه العلاقة الصعبة، ولا أقول المعقدة، مع أبنائي وكل ما يدور من حوارات بيننا نحن «الكبار» حول هذه العلاقات المركبة بين الآباء والأبناء والعالم الخارجي (أي خارج البيت) في المدرسة والشارع والنادي وكل مكان تطأه أقدام الأولاد والبنات بعيدًا عن أنظار الآباء والأمهات.. وكان السبب عددين من مجلة أو نشرة غير دورية تصدرها لجنة الإعلام والثقافة بالمدارس الكاثوليكية في مصر، فهذه المدارس لها أمانة عامة تصور عددين من مجلة يمكننا أن نعتبرها دليلاً ومرجعاً لمعرفة كيفية تفكير الأولاد والبنات في مصر من سن 6 سنوات إلي العشرين.. أي من الابتدائي إلي الجامعة، المجلة اسمها «العالم بين أيدينا.. تعال نشكله» والاسم هو عنوان جيد لمبادرة من ناس مسئولين أو شاعرين بالمسئولية عن هذا الجيل الذي يتعلم في مدارسهم من الابتدائي للإعدادي للثانوي، وربما يعود إليهم مشاركًا أو متطوعًا للحوار مع أجيال أحدث منه، في العدد الأول (أبريل) وجدت ملفًا عن المؤتمر الطلابي السابع لهذه المدارس والذي شارك فيه 400 طالب وطالبة جاءوا من القاهرةوالإسكندرية والمنيا وأسيوط والأقصر.. والذي افتتحه الأب فاضل سيداروس، الأمين العام الذي لاحظ هذا الحرص علي الحضور بالرغم من الإجازة والذي يدل علي الأمل والرجاء في جيل حريص علي تغيير المستقبل «وتكتشفوا عملية تعليمية مصرية أفضل بشرط أن تحرصوا علي الحلم معًا لأن الحلم الفردي قد يؤدي بكم إلي الأنانية وذلك عكس ما نريده لكم» انتهي كلام الأب وانطلقت مجموعات العمل أو الورش تختار موضوعاتها، وتركز علي صورة مدرسة المستقبل في عيون تدرك وتري أبعد مما نتخيل نحن بكثير، وهكذا انطلق الأولاد والبنات يطالبون بزيادة مساحة المدرسة نفسها، وزيادة الملاعب، والاهتمام بأن تكون جميلة وليست قبيحة المباني، مع تقليل كثافة العدد في الفصل، وعودة اتحادات الطلبة قوية، كما كانت وإشراكهم في إدارة المدرسة واحترام فكر الطالب من قبل الإدارة، (شاعرون بذواتهم جدًا)، لكنهم أيضًا غير سطحيين حين طالبوا بتغيير المناهج وإلغاء عملية التلقين فيها وزيادة مساحة الاعتماد علي عقل الطالب وتفكيره وإعطائهم فرصة أكبر للحوار في الفصل، أما خارج الفصل فيريدون زيادة حصص المكتبة والكمبيوتر (وكمبيوتر لكل طالب وطالبة) وأنشطة الموسيقي والألعاب والأدب والمسرح والفن التشكيلي والرحلات والزيارات.. بل إنهم طالبوا بتمثيل الطلاب في البرلمان ليدرك ممثلو الشعب أحوالهم أولاً بأول، والاهتمام بالمجتمع المحيط بالمدارس من حيث النظافة ومساعدة فقراء البيئة، وإعادة النظر في تكاليف التعليم سواء ما تقدمه الدولة أو ما يقدمه رجال الأعمال وما يدفعه الآباء والأمهات. وهذا «التلخيص» الذي قمت به أعادني إلي حقبة أسبق كنت فيها طالبة بمدرسة راهبات في الإسكندرية قبل أن أتركها لمدرسة عامة إعدادية في حي محرم بك ومنها لمدرسة ثانوية في نفس الحي، لأدرك الآن إنني كنت في نعمة لم أشعر بها وقتها، وإنما الآن وأنا أري وأقرأ مطالب طلبة وطالبات اليوم، ففي مدرستي «العامة»، كانت الأنشطة وكل ما يحلم به الطالب متاحاً ربما أكثر من مدارس الراهبات، ومعها اتحاد الطلبة القوي، كنت عضوة في فرق الخطابة والمسرح والبنج بونج والموسيقي، وكان لدينا أيضًا مطبخ مثل مطابخ برامج التليفزيون الآن، وملعب لكرة السلة واليد ومكتبة محترمة.. باختصار كان لدينا كل ما يحلم به أبناء اليوم.. إلا الكمبيوتر، سواء في المدارس أو الجامعات، وعلينا أن نحلم بعودة التعليم كما كان مع الجديد المتطور فيه، وأن نفتح جسوراً ممتدة مع هؤلاء الذين سوف يقودون مستقبلنا، ولهذا لم تتأخر قيادات هذه المدارس المصرية في دعوة أبناء كل مرحلة لمعسكر يخصهم وحدهم، فذهب أبناء الابتدائي إلي الإسماعيلية وضمت سيناء والعريش اجتماعات الإعدادي والثانوي، حتي الذين ذهبوا للجامعة من الخريجين ضمهم معسكر في مرسي مطروح مع أساتذتهم ومعلميهم في حوار مفتوح يحاول الوصول إلي الأفكار التي تهم الأغلبية وتقلقها في السنوات المقبلة، وكيفية التعامل معها وعلاجها.. ولن أقول إلا أن ما قدمه الطلبة والطالبات من أفكار وآراء تضمنها العدد الثاني من المجلة يصلح أيضًا لإقامة أبحاث ومؤتمرات حوله. وليس تحيزًا للجنس اللطيف ولكن أسرة تحرير المجلة أغلبها منهن.. فهل تشعر المرأة في مصر بالمسئولية أكثر.. حتي في هذه المرحلة المبكرة؟ والحقيقة أنني افتقد في كل هذا معلومات عن نسب مشاركة الطالبات والطلبة في كل الأنشطة التي تتيحها هذه المدارس التي من الممكن أن تفيدنا، كمهتمين من الخارج، بحركة التعامل مع الأنشطة بالنسبة للبنت المصرية الآن، خاصة في مدارس الصعيد.. أما المفاجأة في هذا الاهتمام بالتعليم العصري والمواطنة المصرية فهو هذه الإرادة التي لا تفتر لتقيمه الأداء وتحسينه من خلال الحوار المتحضر المستمر مع الأولاد والبنات ولهذا يجهزون، من بدري، للمؤتمر الدولي الذي يعقد في القاهرة بعد عامين (2011) ويخفي الآلاف من المدعوين من كل العالم سوف يستمعون، ضمن برنامجهم، لوجهة نظر أبناء مصر وبناتها، مثلهم مثل الكبار.. تمامًا..