بأسرع ممّا نتوقع، سنقترب من إدراك الضرر حول أحداث الثامن عشر من نوفمبر التي وقعت بمدينة أم درمان في أعقاب مباراة كرة القدم بين منتخبي مصر والجزائر.. كل هذا الغيظ البربري البدائي يرفع السنج والمطاوي والسيوف، قلّة الحياء وفتح البنطلونات! يحرك مواقفنا بما قد فاجأنا كاكتشافات خطيرة يشق علينا حقّا ويصعب أن ننسبها للشعب الجزائري، لذا فهي تفرض علينا أن نتحرّي لنفهم ونحن نتخذ المواقف. أكتب وقد قرأت عن استقبال وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط للسفير المصري لدي الجزائر عبدالعزيز سيف النصر، الذي عاد إلي القاهرة بعد استدعائه للتشاور. عرض السفير المصري علي وزير الخارجية تقريرًا تفصيليًا حول أوضاع المصريين في الجزائر، بما في ذلك ملابسات الاعتداءات التي تعرضت لها بعض المؤسسات والشركات المصرية هناك، وما تعرض له عدد من المصريين من عمليات تخويف وترويع في إطار تداعيات مباراتي كرة القدم بين مصر والجزائر - تستطيع الجزائر أن تردّ، وقد حاولت الشرق الأوسط الاتصال بالسفير الجزائري في القاهرة عبدالقادر حجار للتعليق، إلا أنه اعتذر قائلاً لا تعليق ولا استعداد لدي للإدلاء بأي تعليق أو تصريحات. الدعوي الأولي للجماهير المصرية عندما يقرأون ما قرأت ويشاهدون ما عرض علي شاشات عديدة، لابد أن تكون بالضرورة رفض التحدث عن معني الاخوة وكأن شيئًا لايزال مخبوءًا داخل الرابطة الإسلامية والقومية العربية وما قدمته مصر للجزائر وما قدمته الجزائر لمصر وكل ما يمكن أن يكتشفه مؤرخ أو فيلسوف أو حكيم أو زعيم. إنّني أؤكد لكم ألاّ ثمة معني أخلاقيا، شهما وشجاعا أو حتي رياضيا علي الأقل، يوجد مخفيا في الأحداث المؤسفة التي قيل أن الحكومة الجزائرية كلفت بها أسافل الناس! وما كان بمقدور الغوغاء والدهماء والمسرّحين من السجون مقابل الفنانين والمثقفين والسياسيين والإعلاميين الذين اصطحبوا الفريق المصري، إلا تحريك الدعاوي السلبية من طرد السفير الجزائري إلي استدعاء السفير المصري إلي محاسبة الشعوب لحكوماتها، إلي دعوات المقاطعة من أي لون إلي الاصطدامات وارتفاع حدة التوترات. سوف تؤكد إشارة الرئيس حسني مبارك أمام الاجتماع المشترك لمجلسي الشعب والشوري، بألا سماحة مع انتهاك كرامة الإنسان، يصعب اكتشاف أي شيء آخر سوي ذلك في تراجيديا تقوم بها حثالة، وقد حوّلت فوز الفريق الجزائري ليصيح أسوأ من هزيمة! ولأن المصريين لا يقبلون أن يخدعوا أنفسهم أو يخدعهم أحد، فإن عليهم - فقط - أن يحاولوا أن يمنحوا الأحداث البائسة معني - أو بالأحري العديد من المعاني! معاني ملائمة للبشر وجديرة بهم كمصريين يمتلئ تاريخهم بما يتفاخرون به ولم يضنّوا بالعطاء علي أحد في هذه الدنيا. الدعوي الثانية للمصريين إذن لابد أن تأتي إيجابية جدًا، المصريون لا ينتقمون أو يثأرون من لعب العيال! وهذا التلاحم العظيم باعتراف الجميع الذي ترونه علي أثر الأحداث التي أرادت بنا شرا يتلقي بالفعل إشارات هامة تشوشرها العاطفة ويبعثرها الغضب. إنني أعتقد أن فكرة السلام الذي تسعي مصر إلي تحقيقه ولا تملك أن تبلغه قريبًا وقد تفشل في الوصول إليه تجلب عليها المصائب في الثلاثين سنة الأخيرة. عزّت مصر دائمًا علي شعارات ومطالبات الإرهابيين ومحاولات القاعدة ونداءات بن لادن والظواهري والصيحة الغشيمة - إيّاها - لحسن نصر الله. ضعفاء هم الذين عجزوا عن تحقيق السلام لشعوبهم فأغرقوا أرضهم في دماء الفتنة، ولابدّ أن يغيظهم أن تنجو مصر وشعبها من الحرب الأهلية والانقسام الطائفي والعدوان الخارجي. وأنا اعتبر أن اللافتات التي رفعت تحمل شعارات بيع غزة، أو تتمسح بالفضيلة ليست لافتات كتبها الشعب الجزائري لتشجيع فريقه الكروي! إنما دسّها عليه الذين هزمهم قتل الأطفال الجزائريين واغتصاب النساء الجزائريات، من يعرف المطاوي والسنج والسيوف سوي الذين كانوا يقاتلون ويقتلون شعبهم لسنين عديدة؟ جاءوا يروّجون بضاعتهم البائرة في ماتش كورة كان يمكن أن يكون عرسا للكرة في منطقتنا فازت الجزائر أو فازت مصر! هناك محاور عديدة لمحاولة تنصيب أنفسنا مصلحين متواضعين، لا يلزم أن تكون محاولاتهم عقيمة، أعبرها وصولا إلي دعوي المصريين الثالثة. فالمؤكد أن جيراننا لا يستغنون عن مصر والمصريين، لا الحكومات ولا الشعوب، كما أننا لسنا علي استعداد لنستغني عن أحد. لا أقول بذل المصريون دماءهم ومقدراتهم في حروب التحرير وتحقيق السيادة، لكنهم أيضًا باعوا قوة عملهم ليشتري الآخرون محو أميتهم، وليبنوا بلادهم ويحافظوا علي صحتهم ومعنوياتهم. منّا المعلمون والأطباء والمهندسون والبنّاؤون والفلاحون وأرباب الحرف والرياضة والفن والشعر والثقافة والعلم.. العواقب الوخيمة لمن يبخسون قدر قوّتهم التاريخية، أو يستمعون لمن يحاولون الإيقاع بها وقد عجزوا أن يخضعوها لآرائهم.